الانترنت واختيار شريك الحياة

 

نادية المكتومية

تحدثنا في المقالين السابقين عن ماهية مشاعر الحب ومراحله، وناقشنا قضيّة الحب من النظرة الأولى وخلصنا بأنّه ليس حباً حقيقيًا هو نوع من الميل والارتياح والإعجاب.

من الجيّد أن نسلط الضوء أعزائي على اختيار شريك الحياة عن طريق التعارف عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك أو التويتر أو غيرها، ولا أريد أن يفهم من تطرقي لهذا الموضوع بأنّي أروّج لهذا النوع من التعارف أو الاختيار إنّما أسلط الضوء عليه باعتباره واقعًا في حياتنا الفعلية ولا يجب تجاهله لمجرد عدم قناعتنا به، فالانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وسيلة تواصل عصرية دخلت في جميع معطيات حياتنا بما فيها اختيار شريك الحياة، وبالرغم من أنّه ليس الطريقة الأمثل وعليه تحفظ اجتماعي قوي أكثر من كونه تحفظًا دينيا إلى أنني أناقشه اليوم ليس لتحليله أو تحريمه بل لتوعية الشباب والفتيات الذين يختارون شريك حياتهم عبر هذا العالم الافتراضي لنضع بعض الضوابط السليمة الواعية التي تقلل من ضرره في حالة اللجوء لهذا النوع من الطرق في اختيار شريك الحياة، وأيضًا لرفع وعي الشباب في كيفية التعاطي مع هذه القضيّة بحذر شديد إذا كان مضطرا لهذا النوع من الطرق لاختيار شريك الحياة، وحقيقة هناك استشارات عديدة جاءتني تسأل أو يسأل ماذا أفعل فقد اخترت شريك حياتي بواسطة الانترنت، أيّهما الأفضل الزواج التقليدي أم الزواج عبر الانترنت؟ أقول لمن يسأل أنا مع الزواج المنسق المنظم وفق ما يرتضيه الدين وفي حدود المعروف وبما يرضي الله بأي طريقة كانت، ولكن أنبّه الشباب والفتيات للوعي والحذر في حالة تمّ اختيار شريك الحياة عبر مواقع التواصل نظرًا لكثرة المخاطر التي قد يقعون فيها جراء اختيار هذه الوسيلة لاختيار شريك الحياة، فيجب أن نضع نصب أعيننا احتمالا مهما وهو أنّ الطرف الآخر يظل شخصًا مبهما لا أعرف من هو وكم عمره وحتى جنسه ودولته وتفاصيل أخرى مهمة عنه لأنّ التواصل عبر العالم الافتراضي يظل افتراضيا غير حقيقي متى لم يثبت الشخص صحة المعلومات ومتى لم أتيقن أنا كمقبل على الزواج من هوية الطرف الآخر ومعرفته بشكل حقيقي ومعرفة كل التفاصيل المهمة عنه والتي من المهم معرفتها لاختيار شريك الحياة وقد ذكرنا معايير الاختيار في مقالات سابقة، فنحن في زواجاتنا الطبيعية أي عندما نختار شريك حياتنا بالطرق العادية الواقعية وليس عبر الانترنت نظل قلقين من التوافق ومن صحة الاختيار رغم أننا نعرف الطرف الآخر وأسرته وزرناهم وتم الاختيار وفق الخطوات الشرعية المتعارف عليها وأكثر من ذلك ربما شريك حياتي من الأهل أو المعارف الذين تربطنا بهم علاقة ومعرفة قوية سابقا ورغم ذلك نظل قلقين من اختيارنا لهم كشركاء حياة فما بالك باختيار تمّ عبر العالم الافتراضي أتوقع بأنّه سيكون مربكًا ومحيّرًا ومبهمًا بدرجة كبيرة، أيضا تذكّر وأنت تختار شريك حياتك عبر الانترنت أنّ هناك جرائم ابتزاز الكتروني كثيرة وشخصيّات منتحلة لا تعد ولا تحصى فلا تكن من ضمن ضحاياهم وتحت ابتزازهم، فمهما كانت المعلومات المقدمة لك تظل افتراضية مشكوك فيها ما لم تتيقن منها يقينا تاما فلا تبعث صور لك أو أي معلومات مهمة إلا بعد التيقن من حقيقة الطرف الآخر والذي من وجهة نظري صعب جدًا جدا مع ما نراه من هرج ومرج في العالم الافتراضي وما نراه من قضايا ابتزاز إلكتروني.

 والسؤال هنا لماذا يلجأ الشباب والفتيات لهذا النوع من طرق اختيار شريك الحياة؟ بالتأكيد هناك عدة أسباب ولكن من وجهة نظري الشخصية يلجأ بعض الشباب لاختيار شريك الحياة عن طريق الانترنت بسبب خوفهم وقلقهم من الأهل في تنسيق الزواج دون ارتياح أو ميل أو رغبة، كذلك عند غياب الأب الواعي والأخ الحريص على تنسيق الزواج بشكل صحيح وسليم وفق الضوابط الشرعية والنفسية التي ذكرناها في مقالات سابقة، وهناك شرطان مهمّان من رؤية نفسيّة في حالة اختيار شريك الحياة عن طريق الانترنت: أولا أن يكون في النور وليس في الظلام فيجب أن أعرف من هي أو هو وبشكل واضح أسرته وغيرها من المعلومات التي يجب أن أتأكد من مصداقيتها قبل كل شيء ولا أبعث بأي معلومات أو صور خاصة إطلاقا، ثانيا أنّ يكون في حدود الشرع من ناحية الحديث وخلافه أثناء التواصل ويجب ألا يطول التواصل بل أن يكون فقط تعارفا فلا أسمح بتواصل طويل يؤدي لتعلق وغزل وحب وأنا لم أعرف الطرف الآخر في الواقع ولا أدري هل سيتم الزواج أم لا، ثالثا أن يتدخل في الأمر طرف ناضج أثق به كالأم أو الأب أو أي شخص ناضج ليدير معي التنسيق للزواج بشكل سليم ويوجهني لكي لا يغلبني سهولة التواصل عبر الانترنت ونقضي وقتا طويلا في التواصل وبالتالي مشكلات كثيرة نحن في غنى عنها، هذا بشأن تنسيق الزواج عبر الانترنت ولإدارته بطريقة سليمة.

أيّها الشباب والفتيات المقبلين على الزواج كلّما تمكنتم من فهم مشاعركم بوضوح تمكنتم من إدارتها بشكل سليم ومتوازن، وبالتالي حياة سعيدة بعون الله.

تابعونا في المقال القادم نستكمل حديثنا عن سيكولوجيّة الحب.