سيكولوجية الحب 1-4

 

نادية المكتومية

من منا لا يطرب للحديث عن الحب، الأنبياء وهم الأنبياء يطربون للحب، عندما سئل النبي (ص) من أحب الناس إليك يا رسول الله: قال عائشة – لم يقل الأهل، المدام، البيت مثلما يجيب بعض الأزواج حاليا - ثم يواصل السائل للنبي قال ومن الرجال: قال: أبوها ولم يقل أبا بكر، فهو يدندن حول الحب صلوات ربي وسلامه عليه، وعندما جاء كعب بن زهير ليمدح النبي صلوات ربي وسلامه عليه في قصيدته الشهيرة البردة بدأها بأبيات الغزل:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفدى مكبول،

وكان صلوات ربي وسلامه عليه ينصت وتبسم حتى بانت نواجذه، ومن أرقى علاقات الحب التي عرفتها البشرية حب النبي صلوات ربي وسلامه عليه للسيدة خديجة وهو حب من النوع الساكن لأنّ أمنا خديجة من الشخصيات الساكنة الهادئة ولذلك أعطيت بيتا في الجنة لا وصب فيه ولا نصب، وهنا تظهر بشرية حبيبي وسيدي محمد صلوات ربي وسلامه عليه فيما يجب أن ندرب عليه أبناءنا عن الحب الراقي ونوصله لهم كما جسّده الرسول الإنسان في حياته ليفهموا سيكولوجية هذه المشاعر الجميلة الراقية فيديرونها بما يليق بها وكما علمنا إيّاها الإسلام وهذا ما يقود للسعادة في الدنيا والآخرة وليس فقط في الحياة الزوجية، لأنّ الحب يجلب السعادة للفرد أولا وبالتالي يكون مستعدًا لإسعاد غيره، حقيقة ما دفعني لكتابة هذا المقال عن طبيعة وسيكولوجية الحب، وما جعلني أبدأ بهذه المقدمة الدينية عن الحب هو سؤال يتكرر من بناتنا وأولادنا في الاستشارات التي تصلني وفي لقائي بهم في المحافل حيث يسألوني: أستاذه هل الحب حلال أم حرام؟ إذا كان هذا السؤال مبهم لديهم ولا يجدون له جوابا فكيف لهم أن يديروا هذه المشاعر التي هي هبة من الله بشكل راق وصحيح وفق ما نمذجه لنا نبينا وديننا؟

أعزائي هذا السؤال مؤشر خطير يشي بتقصيرنا نحن المربين في تبصير الناشئة عن ماهية هذه المشاعر الجميلة المشروعة الراقية مشاعر الحب، وبالتالي ستلعب المُسلسلات ووسائل التواصل الاجتماعي الدور في إيصال الأفكار المشوهة عن الحب والتي لو تتبعنا فقط المسلسلات على الشاشة لوجدناها كيف تشوه الحب أيّما تشويه ولكن للأسف طالما المربون لم يتصدوا لتصحيح المسار ونقل الصورة القيمة الصائبة عن الحب للناشئة فمن الطبيعي أن يستقوها من هذه المصادر الملوثة فلا يجب أن نلوم الناشئة إنما نراجع أنفسنا كمربين ماذا فعلنا لتصحيح المسار؟ ولمنح هذه المشاعر الشرعية والرقي ليحياها أبناؤنا كما يراها ديننا الإسلامي الحنيف

 إذن ما هو الحب؟ ما طبيعة وكنه هذه المشاعر؟

الحب حالة انفعالية يعيشها الإنسان تدخل قلبه دون أن تستأذن مهما كان طبيعة شخصية هذا الفرد، فليس هناك كبير على الحب فقد يكون قوي الشخصية أو متدينا وتحرك قلبه امرأة والعكس صحيح قد تكون إنسانة ذات منصب ويحرك قلبها رجل بسيط، والحب خبرة تراكمية لدى الفرد من خلال بيئته وثقافته ومن يحتك بهم تتكون عن الطرف الآخر، فالرجل ينمو ويكبر وفي ذهنه ترسم صورة للمرأة تكبر معه من خلال احتكاكه بمحيطه فتتشكل مع الوقت صورة حسية لامرأة بمواصفات معينة وعندما يجد العقل امرأة تتطابق مع الخبرات التراكمية المخزونة في العقل تحرك تلك المرأة قلب ذلك الرجل وهذا تماما ما يحدث مع المرأة أيضا، فتدخل ويدخل من ذلك الباب الخفي دون استئذان؛ غير مؤمن بلغة الجوازات.

ويمر الحب بثلاث مراحل، فهو يبدأ بالارتياح للطرف الآخر لسماع صوته أو رؤيته، ومع الوقت ينتقل للمرحلة الثانية وهي الميل فنجده يسأل عن الطرف الآخر عندما لا يجده في محيطه ويتضايق لغيابه ثم ينتقل مع الوقت للمرحلة الثالثة وهو الحب الحقيقي والتعلق.

لماذا نتحدث عن هذه المراحل؟ لعدة أسباب منها تبصير الناشئة بكيفية حدوثها فيراقبون أنفسهم في أي مرحلة هم وبالتالي يتحكمون بهذه المشاعر ويديرونها بطريقة سوية صحيحة، بمعنى لو لاحظ شاب بأنه انتقل من مرحلة الارتياح لمرحلة الميل هنا يجب أن يتوقف ويسيطر على مشاعره قبل أن تتحول هذه المشاعر لحب حقيقي وتعلق، وذلك بأن يدرس كيف ينقل هذا الحب من الظلام للنور عن طريق دراسة مشروع الزواج وإمكانية الارتباط بهذه الفتاة، فينحي القلب ويعمل العقل للتخطيط لجعل هذه المشاعر تلتقي تحت مظلة شرعية وهي الزواج وإلا فليتوقف ولا يسمح لهذا المشاعر أن تزداد وتنمو عند استحالة الزواج، لأنّه سيكسر قلبه وقلب هذه الفتاة وتنشأ بعدها مشكلات تؤثر على حياتهم المستقبلية وحتى زواجهم لاحقا بطرف آخر.

لذلك يجب أن نتجه بالحب اتجاها شرعيا واحذروا أن تغلبكم مشاعر الحب فمنذ لحظات الميل الأولى يجب أن نتجه إلى مشروع الزواج فإذا اتجهنا به للزواج ونجحنا سعدنا بهذا الحب وإذا اتجهنا به للزواج ولم يقدر لهذا الزواج أن يتم فلن نخسر شيئا؛ لأنّه كان شيئا من الارتياح فقط سيُنسى بمرور الوقت.

لكن الأيام لن تنسينا الحب بل ستدمي قلوبنا، كم من استشارة جاءتني من شاب أو فتاة وقع في ألم الحب وانكسر قلبه بسبب أنه لم يُقدَّر لهذا الحب أن يقوم تحت مظلة شرعية وهي الزواج، وبسبب أنهم لم يكن لديهم الوعي الكافي لإدارة هذه المشاعر عند ولادتها كذلك لم يكن لديهم الوعي بخطورة ما هم مقبلون عليه وللأسف دخلوا في متاهات وآلام كان بالإمكان تفاديها بشيء من الوعي والسيطرة على هذه المشاعر، فهناك حالات رفضت الزواج ودخلت العنوسة بسبب وقوعها في الحب ولم يُقدَّر لها الزواج بمن تحب فكان شبح العنوسة والوحدة نصيبها، وهناك حالات تزوجت ولكنها في شقاق دائم مع شريك الحياة الجديد؛ لأنّ القلب مُعلق بغيره، وهناك حالات تزوجت، وظلّت على تواصل بطريقة غير شرعية بمن أحبه القلب، فلماذا نكلف أنفسنا وأبناءنا تبعات باهظة الثمن من سعادتهم وسعادة من حولهم لتقصيرنا كمربين في تبصيرهم بالحب وفق ما أراده الله ورسوله ليكون هذا الحب نعمة وسكينة لهم وليس نقمة وألما في حياتهم.

تابعونا في المقال القادم نستكمل حديثنا عن سيكولوجية الحب..

إلى الملتقى.. ودمتم بهدوء وسكينة بجوار من تحبون.