الأصم العربي 42

اللغة وأهمية التواصل

 

 

سعيد بن محمد البداعي

 

قُدِّر لي يومًا ما السفر إلى بلد أجنبي وحيدًا مُتسلحا باللغة الأكثر انتشارًا في العالم فما إن حطّت قدماي ذلك البلد تبدّل معها لساني حال خروجي من بوابة المطار وبدأ تعاملي المباشر مع سائق سيارة الأجرة، أحسست بأن اللغة ليست اللغة التي ألفت التعامل بها معتقدا أنّ سائق السيارة ربما لم يكمل تعليمه ولذا فإن لغته ضعيفة إلا أن هذا الوضع سار على الجميع من الباعة وعمال الفندق وغيرهم فانتابني شعور بالغربة اللغوية بينهم فبالكاد التفاهم والتواصل يفهم بيننا حتى استعنت بمترجم الذي أطلع على الكثير من الأمور الشخصية التي لا أحب أن يطلع عليها أحد بحكم قيامه بالترجمة.

وهكذا هو حال الأشخاص الصم في مجتمعهم الذي تربوا وعاشوا فيه فالافتقار إلى التواصل الذي يعد من السمات الأساسية للحياة يولد شعورا بالإحباط. فكلما كان التواصل سلسا وسهلا كان ذلك محببا ومريحا لأي منّا.

فالأشخاص الصم أصحاء ذوو همة وفكر وقّاد وطاقة إنتاجية وقدرات عالية يمكن استثمارها في تعزيز وتطوير الوطن. وما يمكّن الصم من التواصل هي لغة الإشارة التي تعد من أنسب وأكثر طرق الاتصال استخداماً للغالبية العظمى منهم ويعدونها وسيلتهم الرئيسية المعالجة لكافة المواقف الحياتية السعيدة والمؤلمة على حد سواء. ويعتمدون عليها في فهم ما يدور حولهم من أحداث ومجريات وتناقل الأخبار والمعلومات وتبادل الذكريات والنصح والمشورة. وتتضح أهميتها لما يعتبرونها الحياة ذاتها وضرورية لنموّهم ونمو شخصيّاتهم وتحررهم من قيود اللغة اللفظية التي يعجزون عن فهمها والتعامل بها، وتقلل من إحساسهم بالفشل والشعور بالدونية الناتج عن هذا العجز، وهي الأداة التي تربطهم بالعالم المحيط وتساعد على نمو الكلام ودقة التعبير واكتساب التعليم والتدريب بسهولة، وذات تأثير بالغ على تكيّفهم النفسي والاجتماعي والتحصيل الأكاديمي ولها انعكاسات إيجابية على شخصيّاتهم بصفة عامة.

ومن خلال الواقع الذي يعيشه الأشخاص الصم تتجلى تحديات تعترض تعاملاتهم وفهم ما يدور حولهم لتسهيل إجراءاتهم. لذا جاء شعار الأسبوع العربي الثاني والأربعين ليجسّد أهميّة لغة التواصل بين الصم والمجتمع بجميع قطاعاته حيث حمل شعار (لغة الإشارة وسيلة مساعدة هامة للتواصل مع الصم).

ومن هنا فإننا ندعو الجميع للاندماج مع فئة ذوي الإعاقة السمعية بالتواصل بلغة الإشارة والتخفيف من القيود اللفظية التي يعانون منها. وهو ما يتوق إليه الأشخاص الصم للتعامل بطريقة سهلة ومباشرة وميسرة.

 

**خبير لغة إشارة وقضايا الصم

تعليق عبر الفيس بوك