في محاضرة بجامعة السلطان قابوس

بلدية مسقط تحتفي بالنسخة العربية من كتاب المعماري الكبير يان جيل "مدن للناس"

 

 

 

مسقط – الرؤية

أقامت بلدية مسقط محاضرة عامة احتفاء بتدشين النسخة العربية من كتاب"مدن للناس" للمؤلف الدينماركي المهندس يان جيل، وذلك في قاعة المحاضرات بجامعة السلطان قابوس وسط حضور كبير من الطلبة والأكاديميين والخبراء والمهندسين المعماريين والمهتمين، حيث تمَّ تقديم هذه المحاضرة على هامش حلقة العمل التي نظمتها البلدية تحت عنوان "مستقبل الهوية المعمارية لمحافظة مسقط"، والتي أقيم خلال أيامها حفل تدشين الكتاب تحت رعاية معالي المهندس محسن بن محمد الشيخ رئيس بلدية مسقط .

تضمنت المحاضرة التي قدمها يان جيل خلاصة أفكاره التي يناقشها في كتابه "مدن للناس" والتي جاءت حصيلة أكثر من 40 عامًا من الدراسات والبحوث المعمارية، استطاع بواسطتها تحويل البيئات الحضرية في جميع أنحاء العالم من بيئات مهجورة تفتقر إلى عنصر الحياة إلى فراغات تنبض بالحياة والجودة، معتمدًا على توجيه التركيز أثناء التصميم على طرق استخدام الناس للأماكن العامة والمساحات التي يعيشون ويعملون فيها. إذ تنطلق فلسفة كتاب يان جيل من خبرة تراكمية في مجال الفن المعماري وتخطيط المدن ورسم المساحات وفق آفاق مستقبلية تضع البعد الإنساني أول اهتماماتها حيث قال جيل، "نحن من نشكل المدن ثم المدن تشكلنا" مشيرًا بذلك إلى أهمية أن تحظى الحياة الحضرية بتصميم مساحات تخدم وتحسن نمط معيشة الإنسان في المدن التي يسكنها، فهو يدعو من خلال أعماله إلى إعادة توجيه تصميم المدينة باتجاه البعد الإنساني الذي يوجب توفير ممرات المشي وممرات مخصصة للدراجات ويقلل من التوسع في الشوارع والأرصفة ومواقف السيارات.

كما تطرق يان جيل في المحاضرة إلى الكتاب المؤثر للكاتبة الأمريكية " جين جاكوب "(The death and life great American cities) والذي قال عنه إنه أول كتاب ينادي بإجراء تحول حاسم في أسلوب المدن، لأنَّ الكاتبة أوضحت فيه كيف يمكن للارتفاع المفاجئ في حركات مرور المركبات، والفلسفة الحديثة للتخطيط الحضري التي تفصل استخدامات المدينة والمباني الفردية أن يضع حدا للمساحة الحضرية وحياة المدينة، والذي سيؤدي بدوره إلى مدن خالية من الناس وتفتقر إلى الحياة، إذ وصف هذا الكتاب السمات الواجب توافرها للعيش والاستمتاع بحياة المدن المفعمة بالنشاط، هذا وقد علل جيل اهتماماته في مجال تقديم أعماله بالتركيز على أهمية الناس واعتبارهم أولولوية أثناء تصميم المدن، إلى زواجه من طبيبة نفسانية والتي كانت تنبهه إلى العديد من النقاشات حول ما إذا كان الجانب الإنساني في العمارة لم يُــنظر إليه بعناية كافية من قبل المهندسين المعماريين ومهندسي المناظر الطبيعية والمخططين، لذا تولدت لدى يان جيل الفلسفة المعمارية التي جعلت منه المعماري الأكثر إنسانية من ناحية ربط أعماله وتقديم استشاراته الهندسية بناء على الجمع بين علم الاجتماع وعلم النفس من ناحية، وبين الهندسة المعمارية والتخطيط من ناحية أخرى.

وحول هذا الكتاب فقد أشار سيف بن سباع الرشيدي مستشار الشؤون الإعلامية والمكلف بإدارة الإعلام والتوعية ببلدية مسقط قائلاً "يعتبر هذا الكتاب أحد أهم الكتب المرجعية في تخطيط المدن بناء على المقاييس الإنسانية، فهو يناقش التطور التاريخي لمفهوم المدن التي تُـبنى للناس وبناء على احتياجاتهم، لذا تأمل بلدية مسقط من خلال ترجمة هذا الكتاب أن تسهم في خدمة القائمين على تخطيط المدن ونشر المعرفة للمختصين في مجال التخطيط للمدن سواء في السلطنة أو بالعالم العربي بشكل عام.

 

وحول المحاضرة التي قدمها جيل قالت المهندسة شمساء بنت زاهر العبري رئيسة قسم التراخيص متعددة الاستخدامات ببلدية مسقط "يُعد هذا اللقاء بين المعماري الكبير يان جيل والمهتمين في المجال الهندسي والتخطيط بمثابة قراءة صحية للتغلب على التحديات المدنية المتنامية والتي باتت تفصل البشر عن الحياة في المدن، ذلك لأن كتاب مدن للناس يعطينا أمثلة لنماذج ناجحة لمدن حول العالم وقد تغلبت على تحديات النمو السكاني وازدحام الشوارع بالاستعاضة بالممرات والساحات العامة التي يمارس فيها البشر المشي و التنقل بالدراجات الهوائية عبر ممرات مخصصة، الأمر الذي يشير كيف أن هذه المدن يتم تخطيطها من أجل الإنسان لا من أجل السيارات والمباني الشاهقة، وأفكار يان جيل في هذا الكتاب تناقش هذه الحلول من زوايا إنسانية-صحية- أولا ثم ذات بعد اقتصادي بكلفة بسيطة وحلول آنية وسهلة، وهذا ما ينبغي للمعماري التفكير به عند تقديم استشاراته، فالمدن يجب أن تبنى وتخطط مساحاتها من أجل الناس واستدامة بقائهم في ظروف صحية آمنة كما قال جيل".

 

وقال الدكتور إسماعيل قضاة خبير هندسة معمارية بوزارة القوى العاملة عن كتاب مدن للناس "ما يلفت النظر أن هذا الكتاب تحدث عن كثير من المدن التاريخية المتواجدة في مختلف دول العالم والتي تعود إلى العصور الرومانية والوسطى في أوربا وبعضها في العصور الحديثة والتي نجحت من خلال سياساتها لإعادة تخطيط مدنها بالحفاظ على هويتها التاريخية، ونظرت للحداثة من منظور إنساني لم يغفل حاجة الإنسان في المدينة وذلك من خلال كثير من الحلول التي توصلت إليها تلك المدن في التغلب على تحديات جغرافية وطبيعية وسكانية، وأنا اعتقد أن الجهات المسؤولة في بلدية مسقط عندما تبنت هذا الكتاب لم تتبناه من فراغ ولكن لابد أنها أرادت أن تطبق بعض الآراء والأفكار الموجودة فيه وأن تستفيد من بعض ما وصلت إليه المدن المذكورة في الكتاب وهو خطوة جيدة نحو مستقبل الهوية المعمارية بمدينة مسقط .

 

 

تعليق عبر الفيس بوك