بيئة جاذبة لاستثمار "هارب"

 

مسعود الحمداني

ما الذي تحتاجه السلطنة حاليا ومستقبلا؟!!.

سؤال يشغل بال الكثيرين في هذه المرحلة الاقتصادية الدقيقة، والجواب بوضوح وصراحة وبكلمة واحدة "المال"، نعم نحن نحتاج إلى المال شأننا شأن كل دول العالم، خاصة في هذه الفترة الحرجة، قد تختلف الوسائل، ولكن يبقى الهدف البعيد واحدا.. نحن نحتاج إلى المال.

هذا "المال" يحتاج إلى طاقات بشرية، وتشجيع الشباب فعليا على العمل الخاص، وصناعات ومشاريع نوعية، وتشريعات واضحة ومشجعة للاستثمار الأجنبي، وخلق بيئة جاذبة لرؤوس الأموال والمستثمرين لكي "يرموا" بثقلهم وأموالهم في هذه الأرض، ويبقوا فيها دون أن يندموا على مجيئهم واستثمارهم معنا.. فهل نحن مستعدون وجادّون لهكذا توجه؟

الواقع يقول: نعم السلطنة بحاجة للاستثمارات، وجادّة في ذلك، ولكن في الجانب الآخر هل هيأنا التشريعات لهذا الغرض، وهل نعمل ـ كحكومة ـ بروح الفريق الواحد، أم أنّ كل جهة تحاول أن تعمل وفق رؤيتها ومصلحتها الخاصة دون اعتبار لنظرة شمولية كلية ومتكاملة تتيح للمستثمر أن يعمل في بيئة خالية من الشوائب، ومريحة له؟

هناك الكثير من الحكايات التي نسمعها ـ من أصحابها أحيانا ـ تقول إنّ موظفا ما، في جهة ما، كان سببا لطرد و"تطفيش" مستثمر أجنبي كبير "حلم" ذات يوم أن يضع أمواله في سلّة السلطنة "الآمنة" ولكن بسبب البيروقراطية المفرطة، والتشريعات المعقدة، أو غير الواضحة لبعض الموظفين ذهب ذلك المستثمر إلى أقرب دولة وإلى غير عودة، فخسرت البلد "مالا" كان في اليد، ومستثمرا جادا تحتاج إليه.. وهذه النوعية من القصص أكثر من أن تروى.

المستثمرون أحيانا يعانون أمام أروقة الجهات المختلفة التي تتجاذب أطراف الاستثمار، لأنّ لكل جهة مصالحها الخاصة وحساباتها الأحادية، دون نظر إلى ضرورة وضع التشريعات والقوانين المتكاملة التي تتيح للمستثمر وضع كل طاقته وتركيزه في جهة واحدة، يمكنه متابعتها، وتسهل له عملية الاستثمار، وتريحه من الجري وراء عدة جهات، وتشتيت جهوده ووقته بينها.

من ضمن هذه القوانين الجاذبة للمستثمر سنّ قانون يتيح له الاستقرار في السلطنة، من خلال "التملك الحر"، أو "التملك بالإيجار" كما يحدث في دول عديدة من العالم، وهذا توجه تدرسه حاليا وزارة الإسكان سعيا للخروج بنظام يعطي "الأجنبي" الحق في التملك خارج المُجمعات السياحية، وفق ضوابط وقوانين صارمة تشعر المستثمر بالاستقرار و"الأمان"، وهي "الثيمة" الإعلامية التي يجب أن تشتغل عليها كل الجهات المعنية لجذب الاستثمارات إلى داخل البلد، ولا شك أن هذا التوجه الجديد سوف يعمل على ضخ الأموال في خزانة الدولة، وذلك من خلال فرض الرسوم السنوية التي يسددها "المالك"، كما سيعمل ذلك على تنشيط سوق العقار، وضبط إيقاعه في نفس الوقت، وفق رؤية شمولية تنظر إلى المستثمر كمورِد فعلي، وإلى الدولة كمستفيد رئيسي، ولن يضار المواطن من هذا التوجّه.. فتملّك الأجانب وتمليك المواطنين مساران مختلفان ومتوازيان تماما، ليس بينهما تضارب كما يعتقده البعض.

إنّ الاستثمار بحاجة إلى بيئة ومناخ صحيين، لكي نجعل من السلطنة بلدا جاذبا للمستثمرين، دون تفريط بالقيم والثوابت الراسخة التي تسير عليها الحكومة، ودون تهويلٍ أو تخويفٍ للمواطن من كل خطوة جديدة وجريئة، ولذلك نحتاج مرة أخرى إلى تغيير جذري في قوانين الاستثمار، ومناخاته، وقبل ذلك نحن بحاجة إلى عقليات اقتصادية تسهّل الطريق للمستثمرين، ولا تعسّرها، أو تطردها كـ"الأرواح الشريرة" إلى غير رجعة.

 

Samawat2004@live.com