احذروا البحث عن الكمال

نادية المكتومية

يقول الكاتب الشهير ريتشارد كارليستون: (مما لا شك فيه أننا نعيش بزمان يمكننا أن نطلق عليه زمان السعي للكمال، فنحن نريد بيوتا أكبر وأثاثا جديدا وطعاما متجددا فنحن دائما نزهد بما عندنا وتتطاول أبصارنا نحو الجديد).
البحث عن الكمال في الحياة من المفاهيم التي تغزونا في عصر كثر فيه الترف الفكري والاجتماعي، وأفرزت هذه الثقافة المشوهة للأسف قاتلين خطيرين في حياة بعض الأزواج هما: النقد والمقارنة، فالسعي نحو امتلاك بيت أكبر وزوجة أكثر رشاقة وزوج أكثر أناقة وسيارة أفخم إلى آخر التطلعات الكمالية الأخرى وعدم الاستمتاع بما لدينا من نعم ونقاط إيجابية في شريك الحياة ولّد للأسف نبرة النقد والمقارنة والتي تؤدي لقتل الود والمشاعر الدافئة بين الزوجين وبداية لمشكلات زوجية خطيرة، والخطورة في المقارنة والنقد تتمثل في التركيز على مقارنة أسوء شيء في شريك الحياة بأفضل ما يملكه الطرف الآخر من سمات، فهي بطبيعة الحال أسلوب جائر يقوم على معايير مغلوطه وهي ذات طابع انتقائي يطرد المنطق لتتحكم المشاعر تصنع عقليات جاحدة للنعم التي منحها الله لها في شريك حياتها فلا تقع عيون الطرف الأول إلا على سلبيات الطرف الآخر وبطبيعة العقل البشري ما نركز عليه هو ما ننتبه له فنتحول بالمقارنة والنقد لشركاء حياتنا من النظر بعين النحلة للنظر بعين الذبابة، مما يحول دون الاستمتاع بالحياة الزوجية وبالتالي تعلو نبرة عدم الرضا عن شريك الحياة وتخيّم على علاقتنا الزواجية.
عزيزي الزوج عزيزتي الزوجة يعتبر النقد والمقارنة من الأساليب الخاطئة التي تحط من قدر الآخر وتجرحه وتوصل له رسالة بأن حبي وتقديري لك مشروط ببلوغ ما أريده منك، وقد يأتي هذا النقد وهذه المقارنة بأسلوب مباشر أو غير مباشر بالمزاح والدعابة أو الجد، وفي كل الأحوال يكون مرفوضا يعوق الانسجام بين الزوجين، ويتشكل النقد والمقارنة عندما يرسم أحد الزوجين صورة خيالية بمواصفات معينة مرغوبة في ذهنه يطمح أن يصل شريك حياته إليها، وتلقائيا يقوم العقل بمقارنة الصورة المرسومة في العقل بالصورة الموجودة بالواقع فعندما يكتشف العقل وجود فروقات بين ما رسمه الزوج أو الزوجة في عقلة من صورة لشريك حياته وبين الواقع يحاول العقل التقليل من الفروقات من خلال أسلوب النقد والمقارنة.
ومهما كان النقد منطقيا فإنّه لن يأتي بنتيجة لإصلاح الوضع لأنّ الشخص الموجّه له النقد لديه صورة عن نفسه بأنّه ليس كذلك ولذلك سيدافع عن نفسه وربما يتجاهل أو يبرر ومن هنا تبدأ الكثير من المشكلات الزوجية.
من الأفكار المغلوطة لدى بعض الأشخاص بأنّهم كلما كانت علاقتهم قوية مع بعضهم فإنّهم يمكنهم انتقاد بعضهم البعض بكل أريحية معتقدين أنّه سيكون متقبلا من الطرف الآخر وهذا ما يحصل عادة بين بعض الأزواج يقعون في هذا المزلق؛ بيد أنّ النقد للأسف أكثر هدمًا وتدميرا للعلاقات كلما كانت متينة لأنّ هذه العلاقة ما كانت ستكون موجودة أصلا منذ البداية لو كانت قائمة على النقد.
هناك عدة قوانين عقلية تتحكم وتؤثر على الحياة الزوجية، ومن القوانين المؤثرة جدا في قضية النقد والمقارنة التي تحدث بين الأزواج قانون يسمى بـ (قانون التركيز)، يقوم هذا القانون على 3 أمور (الإلغاء والتعميم والتخيل) بمعنى عندما أركز على سلبيات شريك الحياة تلقائيا العقل يلغي الإيجابيات ولا يراها ثم مع الوقت يبدأ العقل بتعميم السلبيات وكأنها قواعد عامة تلصقها بشريك حياتك فلا ترى سوى سلبياته وتفسر كل تحركاته بسلبية ومن ثم يكمل العقل تفاصيل سلبية وتفسيرات سلبية من عنده حول شريك الحياة لا علاقة لها بالواقع، هذه العملية التي ذكرناها تتم بإرادتك وبتحكمك لكن للأسف تأتي بعدها مرحلتان خطيرتان ليست بيدك إنما تتم لا شعوريا وبطريقة تلقائية من العقل نفسه وهنا تكمن الخطورة في خروجها عن نطاق تحكمك فيها وهي (قانون المراسلات) ثم (قانون التراكم) بمعنى أفكارك السلبية التي استقيتها عن شريك حياتك وركزت عليها باختيارك يحدث بعدها قانون المراسلات ويشمل عدة  أمور وهي أولا الانعكاس: بحيث كل سلوك سلبي يبدر منك تجاه شريك حياتك يرد عليك شريك حياتك بردة فعل سلبية فمثلا أنت ركزت على أن شريك حياتك غير مسؤول ثم عبست في وجهه أو صرخت يرد عليك هو بصراخ أو عبوس، ثانيا: يقوم العقل في مرحلة المراسلات بجذب كل المواقف والسلوكيات السلبية الأخرى والتي لم تركز عليها بمعنى أنت ركزت على 4 سلبيات العقل لا شعوريا وبدون تحكمك يجذب 5 أو 6 سلبيات غيرها عن شريك حياتك لتأتي معها التوقع السلبي المستمر منك نحو سلوكيات شريك حياتك فلا تتوقع منه غير السلبيات دائما حتى لو كان يملك من الإيجابيات الشيء الكثير، ومع التكرار لكل ما سبق يحدث تراكم خبرات سلبية عن شريك الحياة وتكثر المشكلات الزواجية وتدب التعاسة فقط بعين الذبابة حدث كل هذا، هل هناك حل لتغيير المشهد السابق؟ والتخلص من عادة النقد السلبي والمقارنة؟
الحل هو التوقف عن النقد والمقارنة، وهو بيدك أنت وليس بيد شريك حياتك، كما ذكرنا سابقا بأن حكاية النقد تبدأ بقانون التركيز على السلبيات وتنتهي بتراكم الخبرات السلبية، إذن السر يكمن في إرادتك ورغبتك في التغيير ثم في قانون التركيز السابق، فبدل من عين الذبابة لنكن عين النحلة بمعنى ركز فقط على إيجابيات شريك حياتك ستعممها على كل سلوكياته ثم تلقائيا ستعامله من منطلق إيجابي وسيرد على تعاملك بإيجابية، وبالتالي عقلك لا إراديا سيجذب كل الإيجابيات ويتوقع دائمًا الإيجابيات من نصفك الآخر وبالتالي مع الوقت تتراكم الخبرات الإيجابية عن شريك الحياة ونقضي على النقد لنستبدله بنبرات المدح والثناء والرضا والدعاء مصداقا لقول حبيبنا صلوات ربي وسلامه عليه (إنما الصبر بالتصبّر والحلم بالتحلّم والعلم بالتعلّم)..
تذكر أن تستمر على كل سلوكياتك الإيجابية مع شريك حياتك من 6-7 أسابيع مستمرة بتركيز وانتباه بعدها ستصبح لديك عادة تلقائية لا تحتاج لتركيز وجهد..
أعزائي الأزواج تذكروا أن المدح والثناء حاجة نفسية ملحة ومهمة لدى الأزواج تشعرهم بالأمان والحب والتقدير وتوفر لهم الراحة والاستقرار، وهو مؤشر من مؤشرات المودة والرحمة فتعلم فنون الإيجابية بمعناها الأشمل وهو التدريب والتشجيع والتحفيز والبرمجة والإيحاء مع التكرار.
وتذكروا بأن سعادتكم بأيديكم.. سعادتكم فكرة تدب في عقولكم باختياركم، تقودونها لتقودكم هي بعد ذلك.. راقب أفكارك وتذكر "إنّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" والنيّة فكرة مبيّتة باختيارنا وتركيزنا عليه بداخلنا.
دُمتم برقي..