كن مصدرَ تحفيز

ناصر الجساسي

وَصَلني فيديو قصير يظهر فيه طفل صغير يحاول قفز الجمباز، استعدَّ الطفل، ثمَّ انطلق مسرعاً، ولكنه حينما وصل لم يستطع تخطِّي الجمباز، وعاد إلى مكانه مُحبطاً، فما هي إلا لحظات وتجمَّع حوله أصدقاؤه وزملاؤه، وشكلوا مع بعض حلقة دائرية، وقاموا يبثون في نفسه الطاقة والحماس. بعدها، أعاد المحاولة مرة أخرى، ولكنه هذه المرة مشحون بطاقة زملائه وأصدقائه، استعد، ثم انطلق مُسرعاً، فاستطاع قفز الجمباز، وصفَّق له الجميع بحرارة على إنجازه.

أعادني هذا الفيديو إلى مراحل الطفولة، وكيف كانت عبارات الاستهزاء والسخرية تنهال علينا من كل حدب وصوب، من الأسرة والمدرسة وحتى في ملعب كرة القدم، كانت عبارات التحطيم تُوْهِن عزيمتنا عند إضاعتنا ركلة جزاء أو هجمة ضد الخصم.

عبارات السُّخرية التي كُنا نسمعها ونحن أطفال: أنت غبي، يا حمار، أنت أكسل شخص...إلخ، ما زالت راسخة في أذهاننا، إنَّنا -وبكل أسف- مجتمع يُتقن فن التحطيم والتقليل من شأن الآخرين، وإذا رأينا شخصاً ناجحاً أو مبدعاً في جانب معين، بدلاً من أن نقف بجانبه ونشجعه، نقوم بمواجهته بأبشع بالعبارات، ونستهزئ به في المجالس والرسائل الخاصة فيما بيننا.

تهفو النفس البشرية دائماً للكلام الجميل الطيب، وتأنف الكلام البذيء والسيئ، فيقول الله تعالى: ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها صدق الله العظيم؛ فقد شبه الله جل في عُلاه الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت راسخ متين وفرعها شامخ في السماء وثمارها طيبة، ما أعظمه وما أجمله من تصوير للكلمة الطيبة في نفوسنا وقلوبنا.

نحتاج اليوم وكل يوم إلى ثقافة التشجيع والتحفيز، والتي كان رسولنا الكريم -عليه أفضل الصلاة والسلام- يُمارسها ويطبقها مع أصحابه ومع الأطفال، فكان يزرع في نفوسهم روح الإيجابية والتشجيع، نحتاج إلى جرعات كبيرة من الدعم المعنوي في أعمالنا ومناشطنا التي نقوم بها حتى وإن كانت محدودة، فإن كلمة ما شاء الله عليك، شكراً، أنت مبدع...إلخ بإمكانها أن تشعل في نفوسنا طاقة عجيبة وتشحذ هممنا وعزائمنا.

إنْ كُنت مربِّياً، مارس التشجيع مع أبنائك وطلابك، وإن كنت مديراً مارسه مع مرؤوسيك، أيًّا كان مكانك ووضعك مارس التشجيع والتحفيز مع الآخرين، فإنه نهج الصالحين ومبدأ الناجحين وثقافة المتحضرين، خصِّص كلَّ يوم مساحة من وقتك للتشجيع وشحذ الهمم، وكُن مَصْدَر طاقة إيجابية للآخرين تكسب بها محبتهم.

----------------------------------

وقفة أخيرة: لا تستصغر أيَّ كلمة، أي كلمة إيجابية، فلربما كانت سببًا بعد الله في تغيير واقع من حولك.