الساعة: 5:55 مساءً

 

ناصر الجساسي

ذهبت بابني حمد ذي الخمسة أعوام إلى المركز الصحي حيث إنِّه يُعاني من ألم في الأذن وحينما وصلت لم أجد في مواقف المركز أي مراجع سوى سيارة واحدة ويقف بجانبها شخصان يلبسان لثاما طبيا ويبدو من هيئتهما أنهما ينتظران أحداً كانا قد أتيا به مريضاً فتوجست خيفة من منظرهما وهيئتهما.

حينها كانت الساعة 5:55 مساءً ونزلت من السيارة وحمد سبقني إلى داخل المركز وكانت نفسي تحدثني لا تدخل المركز واذهب بابنك إلى أقرب صيدلية وخذ منها دواء له ولكن ظللت ماشيًا وما إن فتح الباب الأوتوماتيكي إلا وأرى مدخل الرجال قد وضُع عليه ساتر يُغطيه بأكمله دلالة على أنَّ الوضع مريب وتقدمت نحو نافذة موظف السجلات وفتحت ملف حمد فقال لي الموظف يبدو أنك ستنتظر قرابة نصف ساعة أو أكثر لحين أن يصل دور ابنك فقلت له مندهشاً ولمِ هذا الوقت والمركز شبه خالٍ من أي مريض ومُراجع؟! قال يوجد مرضى؛ ففي الداخل أشخاص قد احضُروا للمركز ويشتبه أنهم مصابون بفيروس كورونا كوفيد19.

لم يكد ينتهي الموظف من حديثه إلا والأفكار السلبية والوساوس تدور في رأسي فدب الخوف في نفسي ووقفت اتأمل حمد أين ذهب وماذا لمس من جدران وماذا أمسك من مقابض وجدران وخرجت مسرعاً من المركز وقبل أن نركب السيارة قمت بتعقيم يدي ويدي حمد وطلبت منه ألا يلمس وجهه بيديه أبداً وقفلت عائداً إلى البيت مسرعاً، ومن شدة الخوف نسيت أن اشتري له دواء من الصيدلية وبرغم قصر المسافة بين بيتي والمركز الصحي إلا أنها بدت ذلك اليوم بعيدة جدا وجميع المركبات التي كانت تسير على الطريق كأنها تتعمد تأخيري للوصول للبيت.

اللحظات المخيفة التي عشتها لا يمكن أن أصفها في سطور وعندما هدأت نفسي واستقر فزعي أعدت شريط الأحداث التي مررت بها واستحضرت في ذهني الأطباء والممرضين والموظفين والعمال وكل الذين يعملون في القطاع الصحي والذين هم خط الدفاع الأول حقاً في جائحة كورونا؛ إنهم يمكثون في العمل يومياً لأكثر من 8 ساعات وبعضهم يُواصل الليل بالنهار..كل يوم يلتقون بالمراجعين والمرضى وكل يوم يعودون إلى بيوتهم وهم في حال لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ.

إنَّ الخطر الذي يُواجهه العاملون في القطاع الصحي في جائحة كورونا أو بشكل عام لا يقل خطورة عن قنابل المدافع والأسلحة الفتاكة في الحروب، لذلك هم في الصفوف الأمامية لحماية الوطن ضد أي مرض أو أي جائحة ودورهم يتساوى مع دور الجهات الأمنية التي تحمي أمن الوطن وتذود عن حياضه ضد أي خطر وأي عدو ومثلما تؤدى التحية العسكرية للرتب الأعلى علينا أيضاً أن نؤدي التحية لكل العاملين في القطاع الصحي شكرا وتقديرا وتعظيما لجهودهم.

وقفة: الشجاعة الحقيقية هي أن تواجه عدوا خفيا لايُرى بالعين المجردة ولا تعرف مصدره ومن أي جهة يباغتك ومع ذلك تواجهه كل يوم بكل رباطة جأش حتى تهزمه.