حكاية قصص رأت النور

راشد بن سباع الغافري

القصص التي أصدرتها مؤخرًا عن طريق مكتبة الضامري والتي  تزامن إصدارها مع موعد معرض مسقط الدولي للكتاب والتي حملت عنوانين هما (قصص عمانية وأبواب قريتنا) لها حكاية طويلة أود أن أسرد جانباً منها في هذا المقال .
هذه القصص التي جاءت حاملة جانباً من خصوصية المُجتمع العُماني القديم هي ثمرة من ثمار جهود المخلصين في هذا الوطن العزيز الذين ما فتئوا يسخرون طاقاتهم وجهودهم في خدمة أبناء هذا الوطن من خلال توجيههم وتوفير الاحتياجات والبرامج والفعاليات التي تُساعدهم على صقل قدراتهم ومواهبهم وتضعهم على الطريق الصحيح في المُساهمة والمشاركة البناءة والفاعلة في مسيرة هذا الوطن الغالي وبكل إيجابية ورحابة صدر .
بدأت حكاية هذه القصص مع مؤسسة أصائل للنشر والتوزيع وذلك من خلال مجلة أصائل التي يرأسها الأستاذ الفاضل محمد بن عيسى الفيروز صاحب الشخصية المتواضعة والفكر الخلاق المتجدد، والذي كان ناصحاً لي وموجهاً في كيفية كتابة القصة التراثية التي يحتاجها أبناء المجتمع اليوم لمعرفة جانب من تلك الحياة التي عاشها الآباء والأجداد، وتوج ذلك التوجيه بأن تمّ نشر بعض من هذه القصص تباعاً في مجلة أصائل الراقية والمُهتمة بالجوانب التراثية لهذا البلد، وكان الحديث معه والاستماع إليه وإلى توجيهاته مبعث فخر وارتياح بالنسبة إليَّ ولا شك أنَّ اتقاني لكتابة هذا النوع من القصص هو نتاج لتلك التوجيهات والملاحظات التي كان يُغذينا بها أولاً بأول، ولا شك أيضًا أنني استفدت كثيرا من تلك التجربة التي جعلتني محبًا لهذا النوع من الأدب الراقي .
وبعد أن كتبت مجموعة من هذه القصص والتي وصلت إلى قرابة الخمسين قصة، كانت الانعطافة المُهمة الأخرى في تطلعاتي الأدبية والتي تمثلت في التواصل مع جريدة الرؤية عن طريق مراسلها الأخ العزيز ناصر العبري والذي شجعني على دخول المنافسة في مجال أدب الطفل في جائزة الرؤية لمُبادرات الشباب، وحثني بقوة على تلك المُشاركة مبديًا إعجابه بهذه القصص ومتوقعاً أن يكون لها مكان في الأدب العُماني مستقبلاً، وكانت نظرته في محلها عندما نالت هذه المجموعة من القصص ثقة لجنة التحكيم في المُسابقة وحصدت المركز الأول في جائزة الرؤية لمُبادرات الشباب للعام 2014، في مجال أدب الطفل حيث انتقيت لتلك المنافسة خمس عشرة قصة، وكان التكريم في الحفل الرائع الذي تقيمه الصحيفة حيث اعتليت تلك المنصة مع الشعور بالفخر بأنني خضت منافسة شريفة بين أبناء وطني في إثبات الذات قبل أيّ شيء آخر .
وقد كانت كلمات سعادة المُكرم حاتم الطائي وتهنئته لي بالفوز وهو يقبل نحو الفائزين بذلك الوجه البشوش مبعث فخر وحافز إيجابي لبذل المزيد من الجهد وعدم التوقف عند أي سقف طالما الأمر يتعلق بالطموح وتوظيف القدرات وبخدمة هذا الوطن المعطاء .
وإن كان من كلمة هنا مُتعلقة بالمُبادرة التي تتبناها هذه الصحيفة فإنَّ اللسان يقف عاجزا عن ترجمة مشاعر الامتنان التي يكنها أبناء هذا البلد تجاه هذه المبادرة والقائمين عليها، لأنها وبكل فخر فتحت مجالات رحبة للإبداع ووظفت طاقات شبابية وعمدت إلى ترسيخ الفكر النَّير الذي يليق بأبناء هذا الوطن الطامحين لتسطير الأمجاد في مختلف العلوم والمجالات كما سطرها أجدادهم من قبل .
هذه الشخصيات الرائعة في مسيرة هذه القصص لها فضل كبير علي، وقد توجت كل ذلك بأن واصلت مشوار الطموح حتى لا أخيب أمل من أحسن الظن بي، وكانت هناك رحلة طويلة وشاقة من أجل إصدار هذه القصص لتكون رافداً أدبياً يخدم أبناء هذا الوطن .
رحلة الإصدار لم تكن هينة، بل واجهت خلالها عقبات شديدة وإحباطات عديدة، وكنت أصبر نفسي بتذكر كلمات وتعابير تلك الشخصيات التي وجهتني للوجهة الصحيحة، وعلى أثر ذلك تناسيت سخرية الساخرين وإحباطات المحبطين، وآثرت الاقتداء بأولئك الرجال وتلكم الشخصيات التي تبذل الكثير من الوقت والجهد والمال في سبيل الارتقاء بأفراد المجتمع في مختلف الجوانب وتوظيف طاقاتهم فيما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع والفائدة .
وكانت الخطوة الأولى في رحلة الإصدار تلك هي الحصول على رقم إيداع لهذه القصص وتصريح بالطباعة، وهذا ما تمّ سريعاً مع شكري الجزيل للقائمين على ذلك في وزارة الإعلام .
ثم كانت كانت الخطوة الأصعب والتي تمثلت بالبحث عن ناشر يتبنى هذه الإصدارات، وللأسف كان هذا الواقع مريرًا بمعنى الكلمة في فترة بحثي تلك، حتى فتح باب الأمل الأخ العزيز طالب الضامري عن طريق مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، وقد كان لقائي الأول به مثمرًا بمعنى الكلمة، وكان حديثاً شيقاً ذلك الذي أجريناه في تلك الجلسة حيث عرفني خلالها بالكثير من الأمور المُتعلقة بالنشر والتصميم والطباعة وغيرها، وكان ذلك اللقاء بلسماً عالج الكثير من الصدمات التي تلقيتها في لقاءاتي بمن سبقوه من أصحاب المكتبات والمطابع والذين كنت أخرج من عندهم في كثير من الأحيان وأنا أعزي نفسي بعبارة: ليس كل من فتح مكتبة أصبح مثقفا !!
ولولا خشية العتب لذكرت الكثير من المواقف والعبارات التي تدلل على ما أقول، ولكني أربأ بنفسي عن ذلك .
ثم انتقلت بعد ذلك إلى الخطوة الثالثة والمتعلقة بالتصميم لهذه القصص، حيث كانت عقبة الرسومات للقصص كداء لدرجة الإحباط خصوصاً وأن معرض الكتاب على الأبواب، وأحسست أني في سباق مرير مع الزمن، وقد ضاع عليّ الكثير من الوقت والجهد في البحث عمن سيرسم لهذه القصص دون جدوى .
ولأني موقن بأنّ بعض المحن تأتي لك بالمنح، فقد آثرت أن أحث ابنتي التي تدرس في الكلية التطبيقية بعبري على الاهتمام بهذا المجال وكان التوفيق حليفنا في ذلك بفضل الله، حيث قامت برسم جميع الرسوم، ثم صمم هذه القصص الأخ العزيز موسى الكلباني في محل لمسات المتخصص بالتصميم وهكذا خرجت هذه القصص بتلك الصورة الجميلة التي أشاد بها كل من اقتناها .
نعم نأسف أحياناً عندما نرى الخذلان ممن يفترض بهم مُساندتنا والوقوف إلى جانبنا، لكن لا يجب أن يطغى أمثال هؤلاء المحبطين أينما كانوا على أمثال أولئك العظماء القدوة الذين يسطرون أروع صفحات الوفاء وحسن الأداء، والذين تعلمنا منهم كيفية تذليل الصعاب والتغلب على العقبات وتعزيز الطموح والعمل بإخلاص ونبذ كل ما من شأنه كبح القدرات .
هذه القصص اليوم في متناول القارئ وهي باكورة الإنتاج مع قصة جبل الطرائد التي لاقت إقبالا جيدا وعسى أن تكون في مسارها الصحيح الذي نأمل من خلاله أن تكون دافعًا لنا لتحقيق المزيد .
شكرًا أيها الأعزاء .. لا تفيكم حقكم لكنها تعبير بسيط عما تكنه قلوبنا تجاهكم سائلين المولى عزّ وجلّ أن يوفقكم إلى الخير دائماً وأنتم ترفلون في ثوب الصحة والعافية والعمر المديد مع التمنيات لكم بأن تحققوا كل ما تطمحون لتحقيقه في سبيل رفعة هذا الوطن وأبنائه.

تعليق عبر الفيس بوك