من ولاية ضنك.. فلتبدأ عودة الأمل

 

 

د. عبدالله باحجاج

عندما يكون هناك 5 آلاف باحث عن عمل في التخصُّصات الهندسية، يقابلهم 60 ألف وافد يعملون في تلك التخصُّصات في بلادنا، فهل ينبغي الحديث عن انعدام فرص العمل في بلادنا، بصرف النظر عن قدرة اقتصادنا على إنتاج الفرص خلال المرحلة الراهنة. إذن، مُشكلتنا ليست في ندرة فرص العمل، وإنما في عدم توافر ارادة الحل، وهذه نظرة تأملية محدودة في قضية الباحثين عن عمل، ترمي الكرة في ملعب من شرفوا بحمل الأمانة، ولم يعملوا على الوفاء بها، وتركوا هذه القضية تحتل قمة القضايا في بلادنا، وتثير القلق من تداعياتها.

خمسة آلاف باحث عُماني مقابل 60 ألف وافد يعملون في نفس تخصصاتهم، مفارقة لا يمكن قبولها عقليًّا، ولا يمكن استمرارها، وهى -أي المفارقة- ترسم مشهداً دراميًّا، يسحب الحق من أصحاب الأرض، ويمنحه الوافد وبامتيازات مالية ومعنوية كبيرة، كيف يقبل استمرار هذا المشهد حتى الآن، أبناؤنا عاطلون عن العمل، والآلاف من الفرص يشغلها الوافدون، فأين خطط الإحلال التدريجي والمدروس الذي يُحدِث التطور دون الإخلال بالإنتاج؟ وهذه الجزئية تشير إلى حتمية إحداث تغيير كبير في الفاعلين لكي يستوعبوا التحوُّلات الجديدة في بلادنا، وتداعياتها المقبلة، فالمرحلة الراهنة تحتم صياغة أفكار جديدة مُختلفة تماما عن تلك التي أطَّرت المرحلة السابقة، ولا يمكن أن تتأتي لنا هذه الأفكار بمعزل عن تغيير الأشخاص؛ فلنبدأ من هذا التغيير، لكن، كيف يتأتى لنا هذا التغيير، وعملية إنتاج الفاعلين الجدد تتم من نفس المصانع؟ وكأننا في عملية نسخ في الشكل والجوهر، ماهية المرحلة الراهنة، تحتم وجود نخب تبدأ بحل قضية الباحثين عن عمل من خلال تصحيح مثل تلك الاختلالات البنيوية الكبيرة في سوق العمل، عن طريق تدريب مخرجاتنا، وانضمامهم للعمل مع الخبرات الاجنبية حتى نثق بجودة عملهم، والتأكد من صدقية ومصداقية إحلالهم، ودون ذلك، فكيف نتطلع لحل قضية تراكم التخصصات الهندسية مثلا؟!

إذن؛ كل التساؤلات تُطرح حول كيفية حل قضية الباحثين عن عمل في بلادنا، مهما اتفقنا أو اختلافنا حول تقديرات أعدادهم؛ لأنَّنا هاجسنا الأكبر ينصبُّ حول التراكم العددي سنويا، فإذا ما سلَّمنا بالعدد الرسمي الذي يقارب الآن 45 ألف باحث وباحثة، فنهاية العام 2017 سيصبحون قرابة الـ90 ألفا، وهكذا يمكن القياس على الأعداد المتراكمة، إذا لم تغيِّر الحكومة من نهج تعاطيها مع قضية الباحثين عن عمل بمثل تلكم الرؤى، ويبدو أنها -أي الحكومة- قد أصبحت تشعر بثقل هذه الحمولة؛ حيث أصبحت الآن لديها رؤية تجاه هذه القضية، فما مدى فاعليتها وشموليتها؟ وهل يُمكننا القول من خلالها بأن نسير بقضية الباحثين عن عمل إلى بر الاطمئنان؟

ينبغي الإشارة أولا إلى أنَّ الحكومة لديها الآن مساران متزامنان؛ الأول: تخصيص حصة سنوية من الوظائف في القطاعات الحكومية لاستيعاب جزء من مُخرجات الجامعات والكليات التقنية، لم نعثر عن أية نسبة مئوية محددة معلنة لهذه الحصة، في حين أنه ينبغي تحديد هذه النسبة بوضوح، وتكون مرتبطة بنسبة المتقاعدين سنويا، وبالحاجة الفعلية للقطاعات الحكومية. والثانية: الرِّهان الأكبر على القطاع الخاص، ويقال على نطاق واسع إنَّه تم تحديد نسبة التعمين بنحو 60% في مؤسسات القطاع الخاص، مع إعطائها امتيازات عديدة، وكتطبيق لهذا التنظير، نظَّمتْ وزارة القوى العاملة، مؤخرًا، معرضًا للتوظيف، وقد اختارت ولاية ضنك بمحافظة الظاهرة أول انطلاقتها. وللأسف، لم يحظَ هذا المعرض بالاهتمام الإعلامي والصحفي كما يجب، وبما تفرضه مركزية قضية الباحثين عن عمل في بلادنا؛ وبالتالي، يجب العمل بكل الوسائل على إيجاد حلول سنوية لها، لتوفير فرص العمل للشباب، حتى لا تتراكم الأعداد، وتتضخم، خاصة إذا ما عملنا أن هناك قرابة 44 ألف سنويًّا ينظمون لقافلة الباحثين عن عمل، وهى قضية البلاد الأولى -دون منازع- من حيث حجم ضغوطاتها على المرحلة المقبلة، وكذلك تداعياتها.

ومن هنا، كان ينبغي أن تُسخَّر كل وسائل الاتصال والتواصل لهذا الحدث، نقلا للرأي العام، ومتابعة لمساره، ونتائجه، ومراقبة لوضع كل من توظف من خلال هذا المعرض الأول؛ فهناك تساؤلات لدى كل باحث عن عمل سوى في محافظة الظاهرة، أو بقية المحافظات التي سيصلها المعرض؛ مثل: هل معارض التوظيف الجديدة توفر فرصَ عمل حقيقية للحصول على وظيفة مناسبة، وآمنة، أم هى دعاية للشركات وجهات حكومية؟ وهل تتوافر لها الضمانات الحكومية لاستدامتها؟ ولماذا البداية من محافظة واحدة؟ ومتى سيكون دور المحافظات الأخرى؟

فعلا، يحتاج هذا المسار الجديد للتقييم الشفاف من قبل الإعلام والصحافة؛ لأنهم يمسون قضية البلاد الأولى، دون التقليل من فكرة المعرض، ولا من أهميتها، وإنما دعمها وإنضاجها، وإرسال رسالتها لكل باحث عن عمل على امتداد أرضنا الواسعة، لدواعي عودة التفاؤل والأمل، وشغل شبابنا بمرحلة الإمكانية المتوفرة للحصول على فرصة عمل آمنة ومضمونة. ومن هنا، كانت الحاجة الوطنية تحتم التغطية الإعلامية والصحفية الشاملة والمباشرة من موقع الحدث، بدلا من الاكتفاء بخبر وتقرير قصيرين أو خبر صحفي منقول من وكالة الأنباء العمانية، فأيَّن المهمة التفاعلية مع هذا الحدث الوطني بامتياز؟ وقد كَشَف عنه -أي المسار الجديد- وزير القوى العاملة أثناء استضافته الأخيرة مِن قِبَل مجلس الشورى، وهذا المسار معمول به إقليميا، ويحقق نتائج مرضية، ومن خلال متابعتنا لمعرض ضنك الذي استمر يومين من 15 إلى 16 مارس الجاري، وشارك فيه ما يقارب من الـ30 شركة من خلال توفير فرص عمل بمختلف التخصصات، وتم من خلالها استدعاء 2303 باحثين عن عمل من محافظة الظاهرة؛ منهم: 1300 من حَمَلة البكالوريوس والدبلوم، و1003 من دبلوم التعليم العام وما دون، وكانت الهيئة العامة لسجل القوى العاملة قامت بحصر الباحثين عن عمل بمحافظة الظاهرة واستدعتهم للحضور إلى المعرض من خلال تقسيم فترات المعرض على أربع فترات على مدار يومين؛ حيث تمَّ تخصيص اليوم الأول لاستدعاء حملة البكالوريوس والدبلوم. أما اليوم الثاني لحملة الدبلوم التعليم العام وما دون، فيظل التساؤل مطروحا حول عدد الذين تمَّ توظيفهم في معرض ولاية ضنك؟ والتساؤل نفسه عن ماهية الوظائف وعائدها المالية؟ فلو تم توضيحها، وكانت في مستوى التطلعات، فهذا سيعزز مصداقية معارض التوظيف في بلادنا.

لَسْنَا مع حَصْر مَعَارض الوظائف على ثلاث محافظات فقط، فما ذنب الباحثين عن عمل في محافظات تبعُد الآلاف من الكيلومترات عنها؟ سنُرهِق الباحث وأسرته بأعباء مالية خاصة المواطنين في محافظات ظفار والوسطى ومسندم؛ فالمعلومات المتوفرة لدينا تشير إلى أنَّ معارض التوظيف ستشمل ثلاث محافظات فقط دون تلك المحافظات، علما بأنَّ الصِّدقية تقتضي إقامة المعارض سنويا على ثلاث أو أربع مراحل مُقاربة زمنيًّا، كورش عمل توظيفية، تضمُّ كل مرحلة المحافظات القريبة جغرافيا، بعد أن تكون الشركات قد حددت احتياجاتها للوظائف، وخططها في التعمين والإحلال للحكومة، وتُنقل تليفزيونيا مباشرة، خاصة بعدما أصبح لدينا قائمة بعدد الباحثين عن عمل في كل محافظة، وتصوَّروا وقع الحدث بزخمه الإعلامي وبصدقية التوظيف المتوفرة، ستنشغل كل المجتمعات المحلية بحدث التوظيف، خاصة الباحثين عن عمل الذين أغلبهم من حملة الشهادة الجامعية، ومن الفئات العمرية (25-29) عاما، وهذه المعلومات الأخيرة، هى التي تجعلنا نُلح على التغيير والتطوير؛ للانتقال إلى جدية وصدقية التوظيف والتعمين والإحلال، وكلها متاحة الآن، وربما لن تتوافر هذه الإمكانية لاحقا.