"وعد".. بين طريق الانتحار وسكة النجاة

 

 

عبيدلي العبيدلي

في 20 مارس 2017، ستنظر المحكمة الكبرى الإدارية البحرينية بأولى جلسات حل جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد). يأتي ذلك "على خلفية رفع وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف دعوى قضائية بطلب حل الجمعية"، في ضوء ما رأت فيه الوزارة ارتكاب الجمعية "مخالفات جسيمة تستهدف مبدأ احترام حكم القانون، ودعم الإرهاب وتغطية العنف".

ليس هنا مجال مناقشة دعوى الوزارة المنوط بها تسيير دفة سفينة القضاء في مملكة البحرين، رغم أهمية ذلك. فهناك ما يفوقه في الأهمية، في هذه المرحلة بالذات، وهو ردة فعل "وعد" المتوقعة إزاء هذا القرار؛ فهي (وعد) تقف اليوم أمام منعطف تاريخي يطالبها باتخاذ قرار مصيري يقودها إلى واحد من طريقين لا ثالث لهما: أولهما طريق الانتحار، وثانيهما سكة السلامة. وليس هناك من هو أكثر مسؤولية، عند لحظة الاختيار، من قيادة "وعد" التي باتت مطالبة وهي تتجه نحو أي منهما مراعاة القضايا التالية:

1- أن المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك في الظروف الصعبة التي أحاطت به، ووسط المواقف المعقدة التي رافقت إطلاقه، هو مكسب تاريخي لنضالات شعب البحرين، من الخطأ التفريط فيه، بل ينبغي التمسك به، والعمل من خلاله من أجل تطوير أدواته، والارتقاء بأداء مؤسساته. ليس هناك من ينكر أن معادلة التمسك به معقدة، وطرق تطويره شائكة، لكنها مهمة وطنية سامية لا ينبغي التخلي عنها، لمن يريد لمملكة البحرين أن تسلك طرق الأمم المتحضرة.

2- أن ظروف اليوم لم تعد هي تلك التي عرفها المشهد السياسي البحريني قبل ست سنوات. فموازين القوى تغيرت، والتحالفات التي نجمت عنها أو رافقتها، هي الأخرى عرفت تحولات نوعية غيرت كثيرا من معالم ذلك المشهد. ومن ثم فما يظهر اليوم، يختلف في جوهره ومكوناته عن السابق. وعليه، هناك حاجة ماسة لقراءة الواقع الراهن بمنظار شفاف قادر على الخروج بالقرارات الشجاعة التي يحتاجها. هذا لمن يريد أن تواصل "وعد" حضورها المميز والمؤثر في حركة المشهد وتحولاته.

3- أنَّ إغلاق "وعد"، هو خسارة فادحة للعمل السياسي البحريني، بغض النظر عما يثار حول "وعد" من انتقادات تتناول مواقفها التي افصحت عنها منذ يوم تأسيسها. ينبغي تقويم "وعد" في إطارها التاريخي، وليس في نشأتها التي رافقت المشروع الإصلاحي عند انطلاقته. ربما يتطلب ذلك إقناع دوائر صنع القرار أن بقاء " وعد" في ساحة العمل السياسي التي شيدها المشروع الإصلاحي هو مكسب للمشروع ذاته. ومن هنا يصبح استمرار "وعد" هدفا سياسيا في حد ذاته. ومن الخطأ الفادح توهم البعض أن ذلك يمكن تحقيقه بعيدا عن أية تضحيات، قد تبدو في شكلها الخارجي "مهينة"، لكنها تراجعات لا مناص منها من أجل تحقيق هدف أكثر شمولية، وهو استمرار "وعد" كفصيل سياسي مميز يتجاوز البنى الطائفية، ويحلق عاليا بعيدا عن جيفها المتعفنة.

4- إعادة النظر -بشكل موضوعي هادئ- في النظرة الأحادية التي ترى الدولة ومؤسساتها كجسم مسطح أحادي الأبعاد، في حين هو كيان معقد يختزن مكونات متباينة، تحدد معالمها تضاريس سياسية ومجتمعية متداخلة تجعل منه خلية متعددة الأبعاد، متفاوت السلوك. ومن الضرورة بمكان أن تصل هذه الرسالة من "وعدد" إلى أصحاب القرار، بشكل مباشر، ودون الحاجة لوسطاء متسلقين وطفيليين، وهناك فرق كبير بين النظرتين عند الحديث عن طرق التعامل مع هذا المكون السياسي الذي هو الدولة، بين من يحاول أن يجد لنفسه طريقا متعرجة وسط تلك المكونات، وبين ذلك الذي يكتفي بطرق الأبواب في انتظار جواب قد يطول زمن الحصول عليه.

5- الكف عن وضع بيض المشروعات السياسية في سلة مؤسسات دولية وإقليمية، مهما بلغ تعاطفها الإعلامي مع "وعد"، أو غيرها من جمعيات العمل السياسي في البحرين. فاللهث وراء تعاطف تلك المؤسسات، ينهك قوى "وعد" ويبعثر جهودها، في وقت هي أمس الحاجة إلى تكتيل قواها من أجل مكسب إستراتيجي أساس، هو الاستمرار في العمل العلني الشرعي. فمن ذاق مرارة العمل السري، ونكساته، يدرك أن العودة له غير مجدية.

6- تحاشي ردة الفعل التلقائية المنفعلة تجاه بعض ما يطفو على سطح الإعلام الذي قد تشوبه نظرة التشفي. فالدخول في معارك إعلامية سطحية سيؤجج نيران الحقد، ويبني ساحة ملاسنات ستسهل طريق من يريد أن يرى أبواب "وعد" مسيجة بالشمع الأحمر. "وعد" مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بأن تتحلى بصبر أيوب، وحكمة سليمان، وحنكة موسى، إن هي أرادت الخروج من هذا الواقع المعقد الذي ينذر بمصير قاتم.

7- التراجع التكتيكي من أجل التقدُّم الإستراتيجي؛ فطريق العمل السياسي المثمر طويلة ومعقدة ومتعرجة. والسياسي الساذج هو من يحل مشكلاته وفق معادلة خطية، في حين يتطلب الأمر وضع قوانين معادلات أكثر تعقيدا وتشابكا منها. واهم سياسيا من يعتقد أن الأمور تسير في خط مستقيم، فتجربة شعوب العالم تثبت جميعها أن القيادات التاريخية سلكت سكك نجاتها عبر طرق ملتوية ومتعرجة، تسير في أكثر من اتجاه، فتتأرجح بين علو وهبوط، وتتمايل بين يمين ويسار.

ليس هناك من ينكر صعوبة الوضع الذي وجدت "وعد" نفسها تواجهه، وليس هناك من بوسعه تجاهل تعقيدات المرحلة، لكن التنظيم السياسي الحاذق هو من يصمد أمام العواصف، والربان الماهر هو وحده القادر على قيادة سفينته، وسط الموج العاتي إلى شاطئ الأمان وبر السلام.

مرة أخرى ليس أمام "وعد" سوى خيار السير على طريق الانتحار أو المشي في سكة السلامة.