لأننا لا نقرأ

 

سيف المعمري

 

القراءة هي غذاء الروح ومصل لكل علل الجهل بالشيء، هي المنصة التي ينطلق منها الناجحون ويتجاوزن المنغصات لبلوغ مراتب العلا، بل هي النهر الدافق الذي ترتوي منه العقول، وبالقراءة وحدها عبرت الأمم إلى ضفاف التقدم، وودعت التخلف، وانقادت لها الحضارة والريادة.

ولكون القراءة منطلقا لاكتساب العلوم بمختلف مجالاتها، ولكونها الرافد الذي من خلاله يستطيع الإنسان أن يبني أحلامه وآماله وتطلعاته، ويستطيع أن يستجمع أفكاره ومعارفه، ومهاراته، ولكونها البوابة التي تشرق من خلالها شمس النهضة والمجد؛ فقد كانت القراءة فاتحة مجيء الملك على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في غار حراء فقال له: اقرأ، قال‏: ما أنا بقارئ، قالها ثلاثا والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ما أنا بقارئ، ثم قرأ عليه قوله تعالى: "اقْرأْ باسْم ربك الذي خلق، خلق الْإنْسان منْ علق، اقْرأْ وربك الْأكْرم، الذي علم بالْقلم، علم الْإنْسان ما لمْ يعْلمْ".. سورة العلق.

ومعدلات القراءة في الوطن العربي هي أقل المعدلات عالميًا حيث يشير تقرير التنمية البشرية عام 2011 الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" إلى أنّ العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنويا، وهو يوضح حجم الهوة الثقافية بين المواطن العربي ونظيره الأوربي؛ الأمر الذي يضع الجهات المختصة في البلاد العربية في البحث عن الأسباب الحقيقية للعزوف عن القراءة، وربما تكون القراءة أقل اهتمامات المواطن العربي.

ولأننا لا نقرأ فقد تخلفنا عن ركب الحضارة الإنسانية وأصبحت مجتمعاتنا العربية مجتمعات استهلاكية، وتحت وطأة التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإقليمية والدولية.

ولأننا لا نقرأ أصبحنا لا نستطيع استغلال ثرواتنا إلا بمد يد العون بالأمم الأخرى، وضاعت معها آمالنا وأحلامنا، ولم نستطع أن نستثمر تلك الثروات والعائد منها إلا في ما نسد رمقنا به أو بقليل من ذلك، فلم نكتفِ بالاستعانة بالقدرات البشرية الأجنبية، بل وحتى بالتكنولوجيا والآلة التي لم نستطع أن نصنعها بأنفسنا.

ولأننا لا نقرأ لا نزال نتحدث عن نسب مزعجة في الأمية بين ربوع وطننا العربي، في الوقت الذي كان بالإمكان بحجم الموارد والإمكانيات البشرية أن نتجاوز مرحلة أميّة القراءة والكتابة منذ عقود، فقد تجاوزتها دول عدة، كانت قبل سنوات قلائل تحت خط الفقر، وأصبحت الآن في مصاف الدول المتقدمة، ولنا في ماليزيا وسنغافورة وقبلهما اليابان خير مثال على أثر الاهتمام بالعلم والقراءة في نفض غبار التخلف والجهل.

ولأننا لا نقرأ أصبحنا لا نعلم حقوقنا وواجباتنا، ولم نحسم أمرنا لا بالخلاف ولا بالاختلاف، وساد بيننا التشاحن والتجاذب لأتفه الأسباب، ولم نتعظ من القريب والبعيد، والعدو والصديق، وباتت دولنا العربية مسارح للفوضى، وميادين للاقتتال، ومغنما لتجار السلاح في العالم على حساب جهلنا ونهب مواردنا تحت مسميات وشعارات هوجاء، ولأننا لا نقرأ أصبحنا كالكرة تتقاذفنا الدول العظمى، كل طرف منا ينظم إلى الطرف الآخر، والطرف الخاسر هو نحن جميعا، والطرف المنتصر هم جميعا.

ولو سألت المواطن العربي عن أسباب العزوف عن القراءة، لن يخفي عنك ضعف بنية القراءة في البلاد العربية، وعدم قيام الحكومات والمؤسسات التربوية والتعليمية بواجباتها، وإن كانت تلك جزء لا يتجزأ من عصب كارثة الفجوة القرائية في بلادنا العربية، وربما كانت في عقود ماضية، لكنها – ولعمري- ليست السبب الرئيسي في الوقت الراهن، بل يجب ألا نبخس حكوماتنا حقها في ذلك ولو بنسب متباينة.

فثقافة القراءة يجب أن تغرس في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم وهي مسؤولية المؤسسة التربية الأولى وهي الأسرة، كما أنّ المؤسسات التربوية والتعليمية بمختلف مراحها الدراسية وكذلك الأندية ومؤسسات المجتمع المدني قائمة بواجباتها كل بحجم إمكانياته، وكم نجد ونسمع عن مكتبات في مؤسساتنا التربوية والتعليمية والتي تكدس الغبار على رفوف الكتب، ولم تجد تلك الكتب من يؤنس وحشتها.

وما هي معارض الكتب التي تقام في معظم الدول العربية إلا إسهامًا من الحكومات في نشر مظلة المعرفة والتحفيز على القراءة وطلب العلم، وفي العصر الحديث ومع الطفرة الهائلة التي أحدثتها شبكات الاتصالات ووسائط التكنولوجيا أصبحت المعرفة متاحة للجميع، فانتشرت المكتبات والكتب الإلكترونية، والمكتبات الصوتية، وأصبح بإمكان القارئ شراء الكتاب من أي مكان من العالم في ظرف زمني قياسي، وإن كان البعض لا يزال يفضل الكتاب الورقي -وأنا مع هذا الطرف- إلا إنّه أيًا كانت الوسيلة التي ينتهجها القارئ، فإنّ حصيلتها المعرفة المتجددة، والفكر الواعي، والمستقبل المشرق له ولوطنه ولأمته، لذا فمن يسأل عن أسباب ما نحن عليه، فعليه أن يعلم بأننا لا نقرأ!

 

  Saif5900@gmail.com