الغُربة

 

 

مبارك السيابي           

كل إنسان يعيش حياته بشكل طبيعي، حتى يجرب الغربة، والتي تتغير عندها كل تفاصيل الحياة، فتغترب بمشاعرك وأحساسيك.

وما أن تبدأ رحلة الغربة فتظهر في حياتك مساحات شاسعة من الهموم القاتلة، والمشاعر المحزنة، والأحاسيس الخانقة.

إن الغربة تقع بين كيان الإنسان وبين روحه التي بين جنبيه، ودائما ما تلامس أجزاء هامة من جسد الانسان، عندها تحن الروح، ويتوهج الشوق، فتظهر على الانسان ملامح وعلامات غريبة، تبدو ظاهرة للعيان على جسده عموما وعلى وجهه خصوصا، وللغربة وجوه عدة منها :

 غربة الأوطان:

وعند هذا النوع  تسقط حسابات جميع الأوطان عدا الوطن الذي إستوطن حبه المهج، وغدا توأما للروح، ولأن حبه من الإيمان، أضحى المساس بمقدساته خط أحمر .

قال إبن الرومي  الشاعر المجيد

ولي وطنٌ آليت آلا أبيعه

وألا أرى غيري له الدهر مالكا .

 فلا يهدأ بال، ولايهنأ حال، ولا يحلو مقال، إلا بالعودة إليه حال الإغتراب،  وتشترك في هذا جميع الكائنات إلا القليل من بني الإنسان الذين هم في الأساس لا وطن لهم ولا إنتماء .!

 غربة الفكر :

وهذا نوع آخر من أنواع الغربة وهي أنها تتكون لديك أفكار هي في الأصل غربية عنك ولا تمت لواقعك بصلة حتى أنك أنت بنفسك تستعربها وتقول في نفسك لا أدري من أين أتتني مثل هذ الأفكار الغربية أو أنك تكون في أوج عطاؤك الفكري ونشاطك الذهني ولكنك لاتجد من يستوعبها  أو يدرك كنهتها، فتذبل أغصان مجدك وعطاؤك فتتألم لحد الوجع .

 غربة الأحبة والأصحاب :

وهي أن تعيش بين أحبابك وأصحابك غريبا،ولا تجد لإسمك أو رسمك مساحة في خارطة حياتهم، فهم إما أن يكونوا قد تنكروا لحسن صنيعك أو إنهم قد وجدوا بديلا عنك يصنع لهم ما كنت تفعل أو أن جيبك بات خاليا خاويا ولم تعد ذلك المصرف المعتمد الذي كانوا يسحبون منه على المكشوف وهنا يعتريك شعور غريب تتمنى معه أن تموت بعيدآ.

 أما أقسى أنواع الغربة في نظري فهي غربة الروح ومثال ذلك حين تجمعك الظروف بشخص ماربما في بيت واحد، وغرفة واحدة، أوحتى يمكن أن تتقاسمان وسادة واحدة، ومع هذا تجد أن بينكما بُعْدْ المشرقين ولو أنك أغمضت عينك قليلا ستجد نفسك وكأنك تهوي في مكان سحيق وتصعد في فضاءات هذا الكون الشاسع وتسبح في تقلبات طقسه المرعب، يقلبك على صفائح العذاب، وفي الدقيقة الواحدة تتنهد عشرات المرات لكنك لا تستطيع أن تشم شيء من عبق الراحات، فيا لغُرْبَة الروح ...فيا لغُربة الروح ....فيا لغُربة الروحْ

تعليق عبر الفيس بوك