حين نعتلي المنصة

 

 

مدرين المكتومية

للاستثناء دائماً وقفة، فهناك طموحات تفوق كل الاحتمالات، وهناك حياة نصنعها نحنُ حين نجد أنفسنا نحقق بعض الأمنيات التي كانت صعبة في يومٍ ما، ولكنها سهلة جداً حين نجدها بين أيدينا، فالأمنيات حين تتحقق بعد جد واجتهاد وعمل فهي بمثابة الحُلم الذي تمنينه طويلاً لنفرح بتحقيقه على أرض الواقع، لربما كنُّا نتمنى أن نجد هناك من يُشاركنا تحقيق هذه الأحلام، نتمنى لو أنَّ القدر أعطاهم وقتاً إضافياً من العُمر ليعيشوا معنا فرحة تلك اللحظات وأن نهديهم نجاحاتنا واحدا تلو الآخر ونخبرهم بأنّ كل ما نحن فيه هو بفضل من الله ودعواتهم الصادقة لنا قبل رحيلهم.

ها أنا اليوم أرمي "عباءتي" اليومية التي أرتديها في ذهابي وإيابي من حرم الكلية ولمكان عملي، رميت الأسود اليومي لاستبدله بأسود استثنائي، ألا وهي عباءة التَّخرج السوداء، تلك العباءة التي لا تليق إلا بالاستثنائيين دائماً، العباءة التي يشعر بها من دفع ثمنها طوال سنوات، الذي عاش وحلم واستيقظ اليوم وهو يعيش لحظة فخر واعتزاز بأنَّه حقق جزءًا من أمنياته المُعلقة على نافذة غرفته. حقق بعضاً من تلك النجاحات الصغيرة التي كان يُعلقها نوتة نوتة على جدران حياته والتي تعده دائماً بنجاحات كبرى، ولكنها ستأخذ القليل من الوقت ولكنها ستتحقق يوماً ما بقدرة قادر.

ها أنا اليوم أقف شامخة وبكل سرور وأنا أضع قبعة التَّخرج على رأسي لأخبر الجميع أنَّ الظروف ليست عائقاً دائماً أمام تحقيق بعض أمنياتنا التي تنازلنا عنها في لحظة من الضعف والاضطرار أو لأسباب لا نعلمها، أو ربما نتجاهلها، ولكننا سرعان ما حاولنا تعويض تلك اللحظات واستبدال مساراتها لطريق نصل إليه في النهاية، سعينا كثيراً لتذليل تلك الصعاب، ولو أخبرتكم كم عانيت حتى أقف اليوم على مسرح التَّخرج هذا لربما شعرتم بما أشعر به الآن، وشعرتم بقيمة كل كلمة أكتبها لأنها تخرج من قلبي لتصل إليكم بكل حبٍ وامتنان، فهذه الفرحة التي أعيشها مع زملائي الخريجين لا تقدر بثمن، فهنيئاً لي ولهم هذا النجاح وهنيئاً لكل أسرهم الكريمة التي انتظرت طويلاً لحظات التتويج التي يعتلي فيها كل خريج المنصة ليستلم شهادة نجاحه وتقديراً لما قدَّمه طوال خمس سنوات من الجد والاجتهاد والبذل في سبيل هذه اللحظة.

ولأنني سأتخرج اليوم أيضاً ولم يتسن لوالدي الحضور بسبب ظروف خاصة، سأكون شاكرة للجميع وأولهم كل من وقف معي من زملاء عمل وإخوة وأصدقاء سواء بالتهاني والكلمات الطيبة أو بالحضور لحفل التَّخرج، ليثبتوا لي أنَّ الحياة برغم تحدياتها إلا أنّها منصفة، فهناك ما يعوض غياب من نُحب من أشخاص، بآخرين يحبوننا بصدق لنجد في كل محطة من حياتنا أشخاصاً يُسخرهم لنا الله دون أن نشعر، ومع الوقت نكتشف أنّهم جاءوا في الوقت المُناسب وفي المكان المُناسب، فالحمد الله على كل نعمه، والحمدالله على العطايا الإلهية التي ترسم الابتسامة على شفاهنا دائماً، والحمدالله على أننا نعيش بأمل النجاح وأن الكثير من الأحلام المؤجلة قد تأخذ وقتاً ولكننا نعيش فرحة تحقيقها، فشكراً للحياة التي لازلنا نتعلم من تجاربها.

 

madreen@alroya.info