حمود الطوقي
في مقطع فيديويّ (بصري) مُصور، وعبر حوار شفاف وتصريح بليغ لصاحب السُّمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، وصف علاقته بالسلطنة، راسماً ملامحها من واقع كونها بلد الأمن والأمان الذي يتميز ببساطة وكرم المواطن العماني وبأنه خالٍ من التعقيدات، كاشفاً عن أنه يفضلها على أماكن أخرى في العالم، معروفة بالشهرة والامتيازات، بسبب أنَّ الإنسان- بغض النظر عن منصبه- يُمكنه أن يعيش بتلقائية وطمأنينة وتفاعل مع مناخ المكان؛ ولعل ما قاله أمير دولة الكويت يعكس تلك السِّمة التي ارتبطت بالسلطنة، وأن علاقاته بالسلطنة تتجاوز المحطات الرسمية فالعلاقة بالتربة العمانية أكثر بكثير فهي علاقة صدق ومحبة كونها واحة وبؤرة للسلام.
بالأمس، استقبل مولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- أخاه صاحب السُّمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، عضو المجلس الأعلى لدول مجلس التَّعاون لدول الخليج العربية أمير دولة الكويت، في زيارة رسمية للسلطنة تستمر ثلاثة أيام، وصاحبها مرافق استقبال رسمية، في ظل وجود وفد مُرافق رفيع المستوى لضيف السلطنة الكبير.
هذه الزيارة سبقتها زيارتان، الأولى لفخامة الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني، والثانية لصاحب السُّمو الملكي الأمير الوليد بن طلال آل سعود، وقبلها تلقى جلالته- رعاه الله- رسالة رسمية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتعلق بأواصر العلاقات بين البلدين.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا مسقط؟
على مدار أربعة عقود ونصف العقد من الزمان، أثبتت السياسة الحكيمة التي ينتهجها المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- رعاه الله- أنَّ السلام ثيمة تتجاوز المستوى التنظيري، وبخاصة على مستوى السياسة الخارجية، والصلات الجوارية مع الدول الشقيقة والصديقة، والالتزام بالأعراف والشرائع الدولية التي تنظم العلاقات البينية للدول، وهذا جعل من العاصمة مسقط محط الأنظار، بخاصة في ظل سياسة النأي بالسلطنة وشعبها وإعلامها عن التَّدخل في شؤون الغير، ما لم يُطلب منهم ذلك، واحترام السياسات الداخلية للدول، وعدم التورط في مشاريع سياسية ذات أبعاد وأهداف مشبوهة.
إنَّ الزيارة التي يقوم بها أمير دولة الكويت، تلبية لدعوة رسمية من المَقام السامي- حفظه الله ورعاه- تفتح الأفق على المُستقبل، الذي يراهن على وحدة الصف، والالتفات إلى المصالح المُشتركة، والانتباه إلى ضرورة وضع إستراتيجيات تخدم مصالح شعبي الدولتين.
ثمّ إنّ زيارة الرئيس الإيراني الرسمية- على قصر وقتها الزمني- تأتي في ظل توترات إقليمية ومتوسطية، وتعكس روح الحوار والتشاور في مآلات بعض الأحداث، بما يصب في صالح الخروج من عنق زجاجة التشظي، نحو استقرار تحتاجه شعوب المنطقة في مُختلف المجالات.
في حين أنّ زيارة صاحب السُّمو الملكي الأمير الوليد بن طلال آل سعود، والتي استقبله خلالها صاحب السُّمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، تعكس الرؤية الاقتصادية الإستراتيجية لمصالح تهم الطرفين، فلربما سنشهد في المُستقبل القريب بوادرها وظلالها على الواقع الاستثماري العُماني، والذي يمكن أن يشكل حلقة مرنة في التعامل مع الأحداث الاقتصادية العالمية ذات الانعكاسات الإقليمية والمحلية على حدٍ سواء.
هذه المناخات المتعددة، التي تعكسها الزيارات الرسمية التي تشهدها مسقط في المرحلة الحالية، تشير إلى حقيقة راسخة، أثبتتها عقود من السياسة العمانية، التي أرسى دعائمها عاهل البلاد المُفدى، وهي انعكاسات الإيمان بالسلام، والعمل به، والسعي نحوه، وإشاعته في مُختلف المواقف، وهذا واضح في نهج السياسة العمانية الخارجية، التي عزلت السلطنة عن الدخول في صراعات وتحزبات وطروحات وخطابات لا تسمن ولا تُغني من جوع، مما جعل مسقط محجّاً سياسياً واقتصاديًا، وجعلها لاعبًا إقليميًا إيجابياً ومؤثرًا في الرؤية العميقة للسلام على المُستويين الإقليمي والدولي.