ماهية الخطبة (3)

نادية المكتومية

وإن تزوجت فكن حاذقا

واسأل عن الغصن وعن منبته

واسأل عن الصهر وأحواله

من جيرة وذي قريته

تحدثنا على مدار مقالين متتاليين عن ماهية الخطبة من وجهة نظر شرعية ونفسية، وتحدثنا عن كون هذه المرحلة مهمة في عملية الاختيار وأيضا تحدثنا عن المرحلة الأولى وهي النظرة الشرعية وماذا يتم في الزيارة الأولى وحول النظرة الشمولية المتأنية للطرف الآخر، ونواصل الحديث اليوم حول المرحلة الثانية من مراحل الخطبة وهي السؤال عن الطرف الآخر وأسرته، وهذه المرحلة قد تأتي أحيانا قبل الرؤية الشرعية، بمعنى أن الشاب عندما يقترح عليه التقدم لخطبة فتاة ما أو الفتاة عندما تعلم بطريقة أو بأخرى وجود شاب يرغب في التقدم لخطبتها لا بأس بالسؤال عن الطرف الآخر وجمع بعض المعلومات عنه وعن أسرته، مما يمهد للزيارة الأولى وهي النظرة الشرعية، وخاصة في ثقافة بعض الأسر الخليجية تعتبر رفض الشاب أو الفتاة للطرف الآخر في مرحلة الخطبة أمرا غير مقبول وغير لائق، لذلك يشكل السؤال عن الطرف الآخر وأسرته قبل الخطبة أمرا غاية في الأهمية قبل طرق الباب والقيام بخطوة يعتبرونها رسمية في بعض الأحيان، أما إذا كان السؤال عن الطرف الآخر وأسرته يتم بعد الرؤية الشرعية فهذا أمر لا بأس به ولكن من يقرر هذا الأمر ظروف الطرفين الخاطب والمخطوبة والشاهد في الأمر بأن مرحلة السؤال مرحلة مهمة لا يجب إغفالها في مرحلة الاختيار وقتما كانت قبل الرؤية الشرعية أو بعدها، في استشارات كثيرة ترد إلي تكون مشكلة إغفال السؤال والتمحيص الجيد عن شريك الحياة سببا في مشكلات زوجية مثلا في استشارة ما كان سبب الخلاف هو اكتشاف الزوج بأن الزوجة تعاني من مرض نفسي معين وتتناول عقاقير معينة فكان ذلك تحديا كبيرا في حياتهم، وعندما سألته ألم تكن تعرف بذلك قبل الزواج أجاب بلا، هذا كله بسبب عدم إعطاء ثقل ووقت كاف لمرحلة السؤال عن الطرف الآخر..

بعد أن يطمئن الشاب والفتاة لبعضهما وتمّت مرحلة الرؤية الشرعية والسؤال ولم يوجد عائق لإتمام مرحلة الزواج تأتي مرحلة الاستخارة، ونقصد هنا بالاستخارة هو أن يصلي الإنسان صلاة الاستخارة المعروفة في السنة ويتوكل على الله فيما عزم المضي فيه، وهنا ألفت انتباه الشباب لقضية صادفتها لدى الكثير منهم أيضا في الاستشارة يأتيني الشاب أو الشابة وهو مرتاح للطرف الآخر ويقول صليت استخارة لكن لم تأتيني إشارة معينة لذلك أنتظر، الاستخارة أعزائي ليست انتظارا لإشارة معينة متى ما ظهرت واصلت الأمر، الاستخارة هو الصلاة والدعاء لله بأن يختر له ما يحب ويرضى ويمضي فيما هو مقبل عليه ولو كان في الأمر خير فالله تعالى سيسهل الأمر، وذلك مصدقا لقول نبينا الكريم عندما سأله عن راحلته هل يتركها دون عقال فقال له "اعقلها وتوكل" بمعنى أن المسلم يأخذ بالأسباب ويمضي فيما هو ماض فيه ويتوكل على الله، والاستخارة قد يقوم بها الشاب أو الفتاة المقبلين على بداية اختيار شريك الحياة في أي مرحلة أرادا والشاهد بأنها جزء مهم في مرحلة الاختيار.

ولا بأس هنا أن نناقش قضية (الحب من أول نظرة)، هل هو حقيقة؟ وما هي إمكانية حدوثه في هذه المرحلة وهي مرحلة الخطبة؟

حين وضعت هذه المسألة على طاولة نقاش الأبحاث العلمية، خرجت النتائج بأن خبرات الطفولة لهذا الشخص تلعب دورا كبيرا في هذا الحب، فقد يجد الشخص في الطرف الآخر المتقدم له إنسانا مشابها لهذا الطراز المحبوب والمخزون في ذاكرة الطفولة؛ مما يجعلني أقبله بسرعة لتقبّلي لتلك الأبعاد المخزونة.

وهذه الخبرات الطفولية هي محل تقدير واحترام، شرط ألا تفرض عليك فرضا أيتها النفس، بمعنى تجعلني أقبل بدون تمحيص في الطرف الآخر، مما قد يظهر حبا من أول نظرة؛ بسبب الإعجاب والقبول الكبير للطرف الآخر، ولننتبه أن هذا ليس حبا حقيقيا، إنما هو حب رومانسي عابر "إعجاب وارتياح"، لأن الحب الحقيقي يمر بثلاث مراحل هي: الارتياح، ثم الميل، ثم الحب الحقيقي، ولا يولد الحب الحقيقي الناضج إلا بالمعاشرة، ويكتمل ويتجذر وينمو ويستمر بالمواقف. وسنتحدث عن سيكولوجية الحب في مقالات قادمة بعون الله بتفاصيل كثيرة..

وتذكروا قول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه حيث قال:" ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته"

انتظرونا في المقال القادم نستكمل طرحنا حول تساؤلات في مرحلة اختيار شريك الحياة.

دمتم بهناء بجوار من تحبون.