"تنفيذ".. بعد 100 يوم

 

 

عمَّار الغزالي

قد لا تحملُ تفاصيلُ سورة "يوسف" للكثيرين تأريخًا لعبقرية الإدارة الاقتصادية الحكومية، مُجسَّدة في نبي الله يوسف -عليه السلام- الذي رسَّخ لأسسٍ وقواعدَ إنمائية كان عاملُ الوقت فيها هو محور الارتكاز. واليوم وقد استبانَ إغفالنا لاستثمار سنوات سمان مَضَت لهذه الأيام العجاف؛ فإنَّ "بديهية الواقع" تفرض ضرورة تلافي هذا الإخفاق ونحن نتلمَّس طريق الخروج من عُنق الزجاجة، سيما إذا ما كان الحديث عن أكبر برنامج وطني للتنويع الاقتصادي في عمر نهضتنا المباركة وهو "تنفيذ"؛ والذي قد أكملت وحدة دعمه ومتابعته مئوية إنشائها هذه الأيام، شارعةً الأبواب أمام استفسارات وتساؤلات؛ مفادها: أيْن وصلنا؟ وماذا تحقَّق؟.. والحديث هنا ليس عن جُملة قرارات فرعية طبَّقتها بعض الجهات الحكومية -مشكورةً- بناءً على مخرجات البرنامج، وإنما عن الدور الحقيقي لوحدات دعم المتابعة والتنفيذ -كما هي الحال في كل دول العالم المتقدِّم- من حيث وضع مؤشرات قياس أداء واضحة. فمبدأ الخطط والدراسات وخارطة الطريق والأطر النظرية للتطوير، لا تخلو جُعبة أي اقتصاد في العالم منها، وإنما الافتقاد دائمًا يكون لمؤشرات قياس ومتابعة تضمن تحقيق الجدوى والاستفادة المثالية من المعطيات.

فمائة يوم مُدَّة كافية في دول العالم الأول لوضع إستراتيجية أي وحدة جديدة، وبناء هيكلها التنظيمي، وتدشين الموقع الإلكتروني لها، وتعيين موظفيها الرئيسيين، والشروع في التنفيذ الحقيقي على أرض الواقع، فنحن نعيش في عصر يتطلَّب سرعة وكفاءة عالية في الأداء، مع مرونة وتكيُّف مع المتغيِّرات، خصوصا مع تحديات رئيسية تواجهنا؛ أبرزها: أرقام مهولة وتراكمات سنوية في حجم الدين العام لتغطية عجوزات الموازنة، وعدم قدرة على ضبط المصروفات الجارية -التي معظمها رواتب موظفي القطاع العام- والأهم من ذلك زيادات سنوية مخيفة في أعداد الباحثين عن عمل، يُواكبها عدم قدرة للقطاع العام لا على التوظيف ولا على تحفيز القطاع الخاص لتمكينه والقيام بدوره كشريك حقيقي في التنمية.

وكنقطة تماس بَيْن فكرتيْن، فإنه ومنذ العام 2011، ومع توسيع صلاحيات جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة ومجلس الشورى، وما تلى ذلك من توجيه مجلسُ الوزراء الموقَّر بإنشاء مركز اتصالات الخدمات الحكومية، والذي يضم مديرية عامة لمتابعة الخدمات الحكومية بهدف تسريعها وتطويرها، ووضع معايير مُحدَّدة للقياس وتطوير الأداء الحكومي، إلا أنَّ علامات استفهام كثيرة لا تزال تُمثل هاجسًا لدى الكثيرين: فبعد كل هذه المدة الزمنية، هل حقَّق المركز الأهداف المرجوَّة منه؟ وما حجم ما تحقق على أقل تقدير؟

ثمَّ وفي العام 2012، نظَّمت وزارة الخدمة المدنية مُؤتمراً موسَّعاً لتطوير الأداء الحكومي، شاركتْ فيه كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة، وتمَّ استضافة أفضل الخبراء على مستوى العالم في هذا المجال، وصُرِفت الكثير من الموارد لإنجاح أهدافه والخروج بتوصيات فعَّالة تضمن تطوير الأداء؛ كان أهمها: وضع معايير قابلة للقياس -فكما هو معروف في علم الإدارة "ما لا يُمكن قياسه لا يمكن إدارته"- إلا أن عجلة الزمن يبدو أنها لم تبارح مكانها إلى اليوم، لنجد أنفسنا وبعد خمس سنوات تقريبًا نسأل مجدَّداً: إلى أين وصلت هذه التوصيات؟ وأين مُتابعة تنفيذها؟

إنَّ تساؤلات كهذه وغيرها الكثير مما يعتمل في عقل المواطن العُماني بشكل يومي، يُفترض معه أن يصدُر تعميم حكومي بإنشاء لجان متابعة في كافة وحداتنا الحكومية، تكون مهمتها الاصطلاح على مؤشرات قياس أداء واضحة ومحدَّدة، تضمن إنفاذًا جادًّا وحقيقيًّا لكافة القرارات والخطط والإستراتيجيات التي تستهدف تعزيز مستويات الأداء الحكومي، وبالتالي تعظيم مستويات التنافسية عالميًّا، خصوصا وأنَّ الحديث عن هذا الأخير يثير شجوناً في نفوس المتابعين.

إنَّنا اليوم في مسيس الحاجة لحلول إبداعية، وزيادة في الإنتاجية، وسرعة في التنفيذ ومرونة في تكييف الخطط حسب المستجدَّات. فلا يُمكن ألبتة أنْ تكون المشاركة المجتمعية في برنامج كـ"تنفيذ" -مثلا- ذريعة للتأخير في تنفيذ إصلاحات اقتصادية بديهية وملحة؛ فمشاركة المجتمع في صياغة بعض السياسات والتشريعات الاقتصادية هي مؤشر على وعي المجتمع بتحدياته، كمبادرة منه، ولكن يبقى تطبيق الحلول على أرض الواقع من واجبات المسؤول الحكومي، ترجمةً لنهج نستلهمه من نطق سامٍ لحضرة صاحب الجلالة بأنَّ "العمل الحكومي كما هو معلوم تكليف ومسؤولية، فيجب أداؤه بعيداً عن المصالح الشخصية، وتنفيذه بأمانه تامة خدمةً للمجتمع"، وهي بكل تأكيد وإن كانت تستند لشراكة مجتمعية ومسؤولية وطنية للجميع، إلا أنَّ شارة البداية والتوجيه والمتابعة دائمًا معلَّقة بيد المسؤول!!