رحلتي مع الكاميرا

 

طالب المقبالي

 

قبل أربعة عقود ونصف العقد كانت أوَّل لقطة التقطها بكاميرتي البدائية أوائل سبعينيات القرن الماضي.

كنتُ أهوى التصوير بأنواعه، لا سيما تصوير الطبيعة، فقد كنتُ أسكن في بيئة زاخرة بالتَّنوع البيئي في حارتي القديمة، حيث بيوت الطين التي تُحيط بها بساتين النخيل والمزروعات التي تسقى بمياه الفلج الذي تنساب مياهه عبر جداول صممت لتتلاءم مع طبيعة المكان، إلى جانب القلعة الشامخة منذ قديم الزمان لتروي حكاية زمن غابر وأجيال عاشت ثمَّ رحلت، بينما بقيت القلعة شامخة تروي عبق الماضي وتراث زاخر بالإنجازات، فكل زاوية من زوايا هذه القلعة تُعطيك لوحة تروي قصة مجد وتاريخ حضارة سطرها الإنسان العُماني على مر السنين.

كذلك الأضرحة التي تحتضنها حارتي والتي يرقد تحتها أئمة حكموا عُمان في زمن ما وقد اتخذوا من الرستاق عاصمة لدولتهم.

كل هذه المُعطيات التي لازمت طفولتي جعلت الكاميرا رفيقتي لأكثر من أربعة عقود ونصف العقد.

وقد سبق أن كتبتُ مقالاً قصيراً عن مسيرتي في التصوير بدءًا من التصوير بالأبيض والأسود الذي ما زال يُذكرني بأيام طفولتي حين التقط صورة وأجردها من ألوانها.

فكان من بين كاميراتي تلك الكاميرا فورية التَّحميض بالأبيض والأسود، حيث المُتعة حين ألتقط صورة وأنتظر بضع دقائق حتى تظهر الصورة فأرى النتيجة، وكانت تغمرني الفرحة حين أنجح في اصطياد اللقطة من الزاوية المُناسبة.

واليوم وأنا أسترجع ذكريات مسيرتي في التصوير أتذكر تلك المعاناة التي عانيتها بعد اقتنائي لكاميرا مُتطورة حينذاك، فقد كنت أذهب إلى مسقط لشراء الأفلام حيث لا توجد في الرستاق محلات لبيع الأفلام ومستلزمات التصوير، وكنت أصور كثيراً وأجمع حوالي بين ثلاثة وخمسة أفلام، وكنت أذهب بها إلى مسقط للتحميض واستخراج الصور، وكنت حينها لا امتلك سيارة، وإنما أركب سيارة أجرة، وعندما أصل مسقط أسلم الأفلام إلى محل التصوير وأنتظر حتى المساء في قلقٍ وخوف من تلف فيلم الصور، فكثيراً ما يُفاجئني العامل في المحل بأن الفيلم تالف وغالباً ما يكون هو السبب في تلفه لخطأ فني في الأستوديو، فأعود من رحلتي الشاقة أجر أذيال الخيبة وأعتصر ألما لفقدي أجمل اللقطات، وأسترجع المعاناة التي عانيتها في السفر من بعد الفجر إلى الليل والعودة خائباً.

في المُقابل تكون فرحتي غامرة حين أرجع إلى المحل مساءً فيُقابلني صاحب المحل بابتسامته المعهودة عند نجاح التحميض وظهور الصور. وفي المحل أفتح ظرف الصور وكأنني أفتح كنزاً ثميناً والفرحة تبدو على وجهي كالشمس في رابعة النهار، فانتقي بعض الصور الجميلة لتكرار طبعها لتوزيعها على الأصدقاء.

لقد كونت مجموعة كبيرة من الصور تقدر بعشرات الآلاف لكن للأسف تلف أغلبها بسبب الحرارة والتَّعرية.

استمر الحال على هذا حتى انتشرت محلات التصوير وأصبح الوضع أسهل من ذي قبل حتى ظهرت تقنية التصوير الرقمي، وهنا حدث الانقلاب الكبير، فتحولت أستوديوهات التصوير إلى النظام الرقمي أيضاً، وأصبح استخدام الكمبيوتر أساسياً في تعديل الصور.

وفي عام الكاميرات ظهرت كاميرات عديدة وتنافست الشركات في هذا المجال، وظهر في الساحة مصورون كُثر وأبدعوا في هذا المجال، كما أنّ التصوير تخطى مجال التصوير المعتاد لتظهر طائرات لاسلكية خاصة بالتصوير تحمل أرقى وأجود أنواع كاميرات التصوير الحديثة.

وبعيداً عن أضواء جمعية التصوير الضوئي تشكلت مجموعات تعنى بمختلف أنواع التصوير، كتصوير الحياة الفطرية بشتى أنواعها والذي يتطلب الوقت والجهد والمال، كذلك هناك مجموعات أخرى للتصوير الفلكي بشتى أنواعه والذي يتطلب هو الآخر السهر ليلاً حتى الفجر وذلك لرصد الكواكب والمجرات والنجوم والقمر، وكل مصور أبدع في مجاله.

كذلك هناك مجموعات تصوير خاصة بالمناخ وتقلبات الطقس، وأيضًا مجموعات لتصوير الإعلانات والأزياء وغيرها، فكل فن من هذه الفنون له عالمه وله محبوه. فالتصوير عالم ليس له حدود ومجال بلا نهاية .

أما عن تجاربي الشخصية في عام التصوير فقد مارست التصوير في عدة مجالات منها: تصوير الأبيض والأسود، وتصوير الطبيعة، والتصوير الليلي، وتصوير الحياة الفطرية، والتصوير القريب مايكرو، وتصوير الأشخاص، والتصوير الصحفي، وتصوير بانوراما، وتصوير سلويت، وتصوير تايم لابس، وتصوير ستوب موشن، وتصوير سينما جراف، والتصوير الكروي 360، والتصوير الجوي، ولكل نوع من هذه الأنواع فنه ومتذوقوه، كما يتطلب أي نوع من أنواع التصوير هذه بذل الجهد والمال والحس الفني.

muqbali@hotmail.com