القاشع والعوال الوجبة الرئيسة

راشد البلوشي

صباح يوم الإثنين الموافق 14 مارس 2010، أشرق الأمل على وجوه طاقم السفينة الباسمة، وهي تعكس فرحة التحدي والإنجاز، ففي تمام الساعة الثامنة والنصف بتوقيت مسقط أخذت الجوهرة تتهادى وهي تقترب رويدًا رويداً من ميناء كوتشن بجمهورية الهند.

يا لها من لحظة تاريخية جسدت تلامسا حضاريا وتعاملا تجاريا وتفاعلا سياسيا واقتصاديا بين البلدين منذ أكثر من قرن ونصف القرن.

وكما سجلتها عدسة كاميرتي، كان الابتهاج بوصول الجوهرة حفيًا، فقد رافقتها سفن من خفر السواحل الهندية وشرطة البحرية الهندية.

وقبل وصول الجوهرة إلى رصيف الميناء قام سعادة محمد بن يوسف الزرافي وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإدارية والمالية، وسعادة حميد المعني سفير السلطنة المعتمد لدى جمهورية الهند، وعدد من المسؤولين العُمانيين باستقبال  جوهرة مسقط على صفحات مياه الميناء على متن سفينة خاصة، وعند مشاهدتهم حدود الميناء  تبادلوا التهاني والتبريكات على سلامة وصول طاقم السفينة.

بعد ذلك وصلت السفينة إلى الميناء في تمام الساعة  التاسعة والنصف.

عند وصول السفينة إلى رصيف الميناء قام سعادة راعي الحفل باستقبال طاقم السفينة وفي مقدمتهم قبطانها صالح الجابري مهنئاً لهم على نجاح الرحلة وتخطيها  المحطة الأولى من رحلتها التاريخية الطويلة إلى سنغافورة.

شارك في حفل الاستقبال العديد من المسؤولين والدبلوماسيين في كل من السلطنة والهند وقد أقيم حفل كبير يليق بوصول الجوهرة حيث عزفت  موسيقى البحرية الهندية مقطوعات فنية بمُناسبة وصول جوهرة مسقط، كما نظمت حكومة كيرلا احتفالاً رسمياً شاركت فيه دائرة السياحة في كيرلا والمركز الهندي للعلاقات الثقافية بوزارة الخارجية بالاشتراك مع الفرقة العمانية كما قدمت أثناء الحفل عروض لفرق الفنون الشعبية العمانية التي جسدت ثقافة وفنون برية متوارثة عبر الأجيال.

لم تكن الرحلة حتى الوصول إلى "كوتشن" سهلة، كانت شاقة ومليئة بالمخاطر، كما قال صالح الجابري قبطان جوهرة مسقط عنها: "كنا في غاية السعادة والسرور لما حققته السفينة منذ قطعت مسافة بلغت 1700 ميل بحري ما يُعادل 2500 كيلومتر، لاقينا خلال الرحلة العديد من الصعوبات لا سيما قبل دخولنا إلى المحيط الهندي كسرعة الرياح المفاجئة والتي لم نتوقعها والأمواج العاتية إلا أننا استطعنا التغلب عليها والتكيف، فالسفينة تبحر لأول مرة بعد القرن التاسع الميلادي، استمرت هذه الرياح قرابة أكثر من ثلاثة أيام مما أدى إلى اهتزاز السارية الخلفية ونزول الشراع الخلفي الرئيسي الكبير واستبداله بشراع العواصف في ليلة ظلماء، وكان طاقم السفينة ذا الخبرة العالية قد تمكن من حل المشاكل والتغلب عليها، كان لهم دور كبير في التغلب على مثل هذه الأحوال المفاجئة".

 لم يقتصر وصف الرحلة على قبطان السفينة فهناك مشاعر كانت مختزلة في نفوس البحارة، أرادوا أن يقولوا كلمتهم، سعيد الطارشي مسؤول الأشرعة في جوهرة مسقط وصف الرحلة حيث قال"نحن فخورون بما حققه الطاقم المكون من سبعة عشر بحاراً وتعتبر هذه المرحلة الأولى الطويلة وهي الأطول في سير الجوهرة، والحمد لله بتعاون الطاقم المكون من عدة جنسيات استطعنا أن نصل بالسفينة إلى ميناء كوتشن في الموعد المحدد ونحن في أتم الصحة والعافية".

أحمد العدوي أحد البحارة المهرة تحدث عن صعوبات الرحلة قائلا:

"كانت الرحلة جميلة ولكن صعبة جدًا جدًا؛ لقد أبحرت في أربع قارات، على متن سفينة شباب عُمان، ولكن الإبحار على متن جوهرة مسقط أمر مُختلف؛ كانت الحياة صعبة من ناحية المعيشة، وبما أني مسؤول التموين والاحتياجات في السفينة فقد كنا نحرم أنفسنا من الأكل، ونحصر الوجبة اليومية في وجبة واحدة، كما كنا نوفر الطعام والشراب، ليقتصر أكلنا على مجرد التمر والقهوة العمانية، إلى جانب اعتمادنا على بعض المعلبات والأطعمة المجففة مثل "العوال والقاشع".

نتطرق أيضاً عن الطرائف التي  حصلت معهم "في بداية رحلتنا كنا متزودين بالخبز العماني أحضرناه معنا وتركناه للأيام القاسية وعندما فتحنا الكيس وجدنا أن الخبز متعفن من شدة رطوبة البحر وحزن جميع طاقم السفينة ولكن استمرت الحياة على ظهر السفينة، واستبدلناه بالتونة المعلبة واحتسبنا أمرنا إلى الله.عند هدوء النفس في ساعات الليل الحالك وفي وسط البحر يمر علينا شريط ذكريات الأهل والأصدقاء، نتذكر تلك الأيام، تأتي التساؤلات التي لا ينبغي علينا أن نعطيها جل اهتمامنا، لكن الحياة على ظهر السفينة تسوق إلينا كل الأشرطة العقلية التي خزنت في أذهاننا،  فتذهب بنا مخيلتنا إلى أبعد من ذلك، قلنا لو لم نعد إلى الوطن ماذا يكون مصير الأهل والأولاد؟ ، كل هذه الخواطر تشكل في أذهاننا خارطة يستعصي علينا حلها، ولكن سرعان ما نمسحها من ذاكرتنا في تلك اللحظة ونستبدلها بذكرياتنا الحالية التي نعيشها مع بعضنا البعض على ظهر الجوهرة".

[email protected]