علي بن بدر البوسعيدي
ما زالت أخبار الغش التجاري والمخالفات الصحية تأخذ مساحة مقدرة في صحفنا اليومية، آخرها ما ورد قبل أيام قليلة، حيث ألقت حماية المستهلك القبض على مجموعة من الوافدين يقومون ببيع وتداول لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
لا شك أنّ دور حماية المستهلك كبير وملموس ومقدر، ولكن تبقى فقط إشكالية ما بعد الكشف عن هذه العصابات، وضرورة إنزال أقصى العقوبات الرادعة والغليظة عليها، حتى تكون عبرة لكل من تسول له نفسه الاتجار بأرواح البشر، والتكسب بطريقة غير مشروعة.
الغش بكل أشكاله مرفوض لكن الغش الذي يتصل بالغذاء اليومي والسلع الاستهلاكيّة لا يجب أن نتهاون فيه ولا يجب أن يعامل كبقيّة مخالفات حماية المستهلك الأخرى، فهو جانب مباشر يتصل بغذاء أطفالنا ومواردنا البشرية، والأمر عندي أشبه بالحرب فلا فرق بين أنّ يموت الإنسان بسبب الحرب وبين أن يموت بسلعة فاسدة أو غذاء مغشوش عن عمد.
الأمر يستدعي منا جميعا وقفة جادة ليس من حماية المستهلك وحدها بل يجب تضافر جهود كل الجهات وعلى رأسها القوات الشرطيّة والأمنيّة والجهات العدليّة والسياحة والتجارة، ويجب أن ترقى جرائم غش الأطعمة إلى مرتبة الجريمة الجنائية، وأنّها جرائم ضد الوطن واقتصاده.
يجب أن ننتبه إلى أنّ هذا النوع من الغش التجاري الذي يطال الأغذية له جوانب سلبية أخرى بخلاف صحة الفرد؛ فهو أولا عامل أساسي لانتشار عدد من الأمراض وبالتالي إرهاق خزينة الدولة ممثلة في وزارة الصحة التي ستصرف على التشخيص والعلاج والتنويم.. إلخ. بالإضافة إلى أنّه يضر بعجلة الإنتاج الاقتصادي ويحرم الوطن من اليد العاملة..
تخيّل خسارة الدولة اقتصاديا وتوقف عجلة الإنتاج أو مراجعات المواطنين بسبب تغيّب أحدهم عن العمل بسبب تناول لحوم ضارة أو أغذية فاسدة مثلا.. تخيّل أنّ هذه اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي تم توريدها لعدد من الفنادق والتهمتها مجموعة من السواح الأجانب فأصيبوا بوعكة جراء تناولها؛ كيف ستكون سمعتنا؟ بالتأكيد سالبة، وربما تحرمنا من عودة هؤلاء السواح مرة أخرى وبالتالي ضرب النشاط السياحي في مقتل في وقت نحن أحوج ما فيه إلى تفعيل قطاع السياحة هذا..
بعد كل هذا بالله عليكم ألا تستحق جريمة الغش في الأغذية أن ترقى لدرجة الجريمة الجنائية واعتبارها حربا ضد الوطن؟.