المكرمة السامية للأندية العمانية

 

 

زاهر المحروقي

 

استوقفني حديث أحمد بن سالم البوسعيدي رئيس نادي فنجاء بالإنابة، المنشور بجريدة عُمان يوم 20/12/2016، تحت عنوان "نعم حدث هذا في فنجاء"؛ فقد اعتقدتُ أنّ الرجل سيتحدث عن مشكلة داخلية تؤرق النادي ممّا جعلته يتراجع في جدول الترتيب ويخرج من كلّ البطولات خاوي الوفاض؛ إلا أنّي وجدت الحديث يركز على أكثر من مشكلة على مستوى الأندية العمانية، وعن الاحتراف الذي تم تطبيقه في عُمان، ممّا أدى إلى استنزاف ميزانيات الأندية، وهي في الأصل خالية من أيّ مبالغ.

كانت النقطة البارزة في حديث أحمد البوسعيدي هي عن المكرمة السامية التي أمر بها جلالة السلطان المعظم، بواقع مليون ريال لكلِّ نادٍ، عندما قال: "لقد ذهبت المليون ريال في صالة وملعب صناعي، ولم يتم إشعارنا أو التشاور معنا، وفوجئنا بأنّ المقاول يبدأ في المشروع، فيما كان النادي قد اتفق مع إحدى الشركات لترتيب مخطط غير مكلف، لكن للأسف كانت المفاجأة التي لم نتوقعها، فحتى لم يتم أخذ رأي الإدارة حول مكان الصالة أو الملعب الصناعي، الأصعب من ذلك أنّه حتى المناقصات ليس لدينا خبر عنها".

إنّ حديث أحمد البوسعيدي عن مشكلة بناء صالة وملعب صناعي بمبلغ كبير كهذا، ودون استشارة الأندية، لم يكن هو الأول ولن يكون الأخير؛ فقد سبق أن كتب عنه كثيرون، وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشات حول تلك المكرمة وكيفية صرفها، ورفضت الكثير من الأندية تلك الصالات، إذ سبق للجمعية العمومية لنادي السويق أن رفضت وبالإجماع إقامة تلك الصالة بالنادي، وذلك في الاجتماع الذي عقد يوم 7/9/2016، حيث جاء رفض عمومية السويق للقرار متوافقاً مع قرار مجلس إدارة النادي، الذي رفض إقامة هذا المشروع على ملعب النادي الحالي من مبلغ المكرمة، بحجة أنّ الموقع الحالي للمشروع لا يتوافق مع تطلعات النادي المستقبلية، لأنّ هناك مخاطبات في طور العملية النهائية للحصول على أرض بديلة وبمساحة جيدة وفي موقع ممتاز، لذا - حسب رأي عمومية السويق - من الأفضل أن يُوجّه هذا المبلغ والمشاريع إلى الموقع الجديد والذي سيخدم شريحة كبيرة من أبناء الولاية؛ ومن المتوقع أن يحقق الموقع الجديد عوائد استثمارية جيدة للنادي حسب موقعه الاستراتيجي"، ورأت عمومية نادي السويق أنّ المبلغ المرصود للمشروع مرتفع جداً، وهو رأي توافق مع تصريح أحمد البوسعيدي. وشخصياً أراه رأياً منطقياً جداً، فهل يمكن أن تُبنى صالة رياضية وملعب صناعي بمليون ريال عماني، ودون أخذ موافقة الأندية حتى في أبسط الأمور، وهو مكان إقامة هذه الصالة؟! فعلاوة على أنّ الأندية ترى أنّ المبلغ كبير جدا لبناء صالة كتلك أو ملعب صناعي، فإنّ عدم التشاور مع الأندية نفسها في اختيار الموقع أو معرفة احتياجاتها، يُعدّ مشكلة أخرى في حدّ ذاتها، فكلّ نادٍ يعرف مصلحته ويعرف أين يجب أن تقام الصالة أو الملعب، وكان الأولى أن يتم التنسيق في ذلك مع الولاة والشيوخ وأعضاء مجلس الشورى والأندية نفسها، بدلاً من أن تذهب تلك المبالغ سدى وكأنها لم تكن. ولنا مثل في نادي البشائر - وهو حاصل اندماج ناديي أدم ومنح - فقد تم بناء مبنى النادي الجديد في الصحراء بين الولايتين، ولم يخدم المبنى أبناء الولايتين، إذ لم يستفد منه شباب أدم كما لم يستفد منه شباب منح، لبُعده عن الولايتين. وعند الاحتجاج بأنّ الهدف من وجود النادي في ذلك المكان هو نظرة مستقبلية، فإنّ ما يتبادر إلى الذهن فورا هو أنّ المنطقة حتى 30 سنة قادمة لن تتعمر، هذا أولا.. أما ثانيا فماذا عن جيل الشباب الحالي، هل عليه أن ينتظر 30 أو 40 سنة؟! وهل الهدف هو وجود المبنى فقط دون أن يستفيد منه الشباب؟.

في الأساس تعاني الأندية العمانية من غياب الدعم؛ لذا لم تحقق الرياضة العمانية إنجازات ذات بال إلا فيما ندر - رغم وجود المواهب - وعندما تم إعلان المكرمة السامية في يوليو عام 2013، بتقديم دعم مالي لكل نادٍ من الأندية التابعة لوزارة الشؤون الرياضية، كان الهدف هو تخصيص المبلغ لمشاريع البنية الأساسية والمعدات والاحتياجات اللازمة للأنشطة الرياضية في هذه الأندية، إلا أنّ الأندية لم تستلم المكرمة، وكان يجب أن يتم النظر إلى أوضاع الأندية حسب الأولوية، فليس كلّ ناد محتاجاً إلى صالة أو إلى ملعب، بل الأولوية القصوى هي في إقامة مشاريع استثمارية للأندية بحيث تستغني عن الدعم المقدم لها من الحكومة. وفي الواقع فإنّ مبلغ المليون ريال لو استُغلّ الاستغلال الأمثل في الاستثمار، كان سيبني أكثر من صالة رياضية وأكثر من ملعب، بدلاً من صرف المكرمة في جدران تكون بعد فترة مهجورة، وكأنّنا أضعنا مليون ريال سدى. لذا لا تُلام الأندية عندما ترى أنّ المناقصات المطروحة لبناء تلك الصالات مُبَالَغ فيها كثيراً (وللأسف فإنّ أرقام المناقصات في عُمان عامة أصبحت تحمل أرقاماً فلكية)؛ فمعظمُ الأندية العمانية تعتمد على ما تحصل عليه من الحكومة، إذ ليس لها دخل ثابت وليس لها القدرة على الاستثمار.

وعودةً إلى حديث أحمد البوسعيدي فإنه يرى أنّ الأندية تتحمل ما يحدث لها من مديونية، لأنّها وافقت على إقامة دوري للمحترفين، فكانت النتيجة المؤلمة هي الغرق في الديون؛ وهو كلام يحتاج إلى دراسة؛ فموازنات الأندية لم تستطع أن تلبي احتياجات اللاعبين حتى في أبسط الأمور وهي الرواتب، ناهيك عن العقود والمكافآت وغيرها، ولكن بما أنّ تجربة الاحتراف - حتى لو كانت شبه اسمية - قد طبقت، فيجب أن تُهيأ لها الظروف المناسبة، بأن يكون للأندية دخلٌ استثماريٌ ثابتٌ يُغنيها عن الدعم الحكومي، ولن يكون ذلك إلا بإعادة التفكير من جديد في استثمار تلك المكرمة، فقد كان هدف جلالته من تلك المكرمة هو تحفيز الشباب للمزيد من النجاح والعطاء، لذا لا يمنع من تحويل تلك المكرمة إلى الاستثمار لصالح الأندية، بإشراف وزارة الشؤون الرياضية، بدلاً من صرفها في صالات غالية التكاليف، قد لا تفيد أحداً. ويكفي ما عانته بعض الأندية العمانية من استثمارات وهمية، جعلت الشباب العماني يعيش في الأحلام، ولعل أبرز تلك الأوهام استثمار نادي فنجاء، والذي وصلت تكلفته الإجمالية إلى 300 مليون دولار، من خلال إقامة ما يقارب 13 مشروعاً متنوعاً ما بين الرياضية والتجارية والترفيهية والخدمية الأخرى، إلا أنّ المشروع تبخر، وعندما تبحث عن السبب فإنك لا تجد الإجابة.

عندما تكون الأندية مكتفية مادياً فإنها ستكون مؤسسات حقيقية لإنشاء الأجيال في المجالات كافة وليس في الرياضة فقط. وممّا يؤسف له أنّ فكرة المكرمة هي فكرة رائدة، إلا أنّ تحويلها إلى واقع؛ فيه بطء وأخطاء. وهذا ما يحصل غالباً في الكثير من الأفكار والمشاريع، لدرجة أن يتساءل الإنسان: أين الخلل، ولماذا كلُّ هذا التأخير..؟!