التنويم الاجتماعي ... والتنويم المغناطيسي (2-1)

 

مرتضى حسن بن علي

 

عالم الاجتماع والنفس العراقي المشهور الدكتور علي الوردي،" ١٩١٣-١٩٩٥" الذي اعتبره البعض كأعظم عالم اجتماع عربي بعد ابن خلدون "١٣٣٢-١٤٠٦"، أطلق في ستينيات القرن المنصرم، عند تناوله بعض أسباب التأزم العربي مصطلحًا اسماه "التنويم الاجتماعي". وذكر أنّ المجتمع يفرض على الإنسان منذ باكورة طفولته إيحاءً مكررًا في مختلف شؤون العقائد والقيم والاعتبارات الاجتماعية وهو بذلك يضع الإنسان في قوالب وتابوهات يصعب التَّمرد أو الخروج منها، وهذا الذي جعل الإنسان الذي يعيش في بيئة مُعينة ينطبع تفكيره غالباً بما في تلك البيئة من ميول واعتقادات وأفكار دينية ومذهبية واتجاهات عاطفية، وهو يظن أنّه اتخذ تلك الميول بإرادته واختياره ولا يدري أنَّه في الحقيقة صنيعة بيئته الاجتماعية ولو نشأ في بيئة أخرى لكان تفكيره على نمط مختلف. و"التنويم الاجتماعي" أشد فتكاً في المجتمعات المُتخلفة منه في المجتمعات المُتقدمة. وفِي هذا فإنّه يشبه "التنويم المغناطيسي" الذي يستعمل من قبل علماء النفس.

الإنسان الذي يعيش في بيئة مُغلقة طيلة حياته يظل خاضعاً للتنويم الاجتماعي في كبره فيرى الأمور من خلال ما أوحى إليه مجتمعه الضيق من أفكار وترسبات ذهنية. أما الذي يعيش في بيئة مفتوحة فإنّه يخضع لأفكار وميول واتجاهات مختلفة ولذلك فإنّه عندما يكبر يرى الأمور وفق الإيحاءات الاجتماعية المختلفة وبهذا يخرج من قوقعته الفكرية المُغلقة التي نشأ عليها في بيئته الأولى ويدخل في عالم جديد يحتوي على الكثير من وجهات النظر وصراع الأفكار والجماعات.

ويذكر الكاتب الأمريكي البولندي الأصل "رافائيل بوتان" ، في كتابه "العقل العربي"، بأنَّ عددًا من علماء الأجناس وعلماء النفس والاجتماع وضعوا عند محاولتهم دراسة شخصية الإنسان وعاداته، الفرضيات التالية:

١- للتجارب الأوليةً للإنسان آثار كبيرة على تطوير شخصيته.

٢- والتجارب المتشابهة تؤدي إلى تكوين خصائص متشابهة للأشخاص المعرضين لتلك التجارب.

٣- والطرق والأساليب المتبعة من قبل أعضاء مُجتمع معين في تربية الأطفال، لها صفة حضارية وثقافية معينة وهي تكون متشابهة رغم أنها غير متطابقة للأفراد المختلفين من نفس المجتمع.

٤- إنّ طرق التنشئة والأساليب المتبعة في اهتمام وتربية الأطفال تختلف من مجتمع إلى آخر.

وإذا كانت نظريات الكاتب الأمريكي صحيحة ولا سيما أنها مدعومة بكم كبير من الأدلة، فإنه يمكن استنتاج الآتي:

أ- إن أعضاء مجتمع معين سوف تشدهم عناصر عديدة من الخبرة المشتركة. وكنتيجة لذلك سوف تكون لديهم كثير من العناصر العديدة من الشخصية المشتركة.

 ب- وحيث إنّ التجارب الأولية للأفراد مختلفة بين مجتمع وآخر، فإنّ ملامح الشخصية للمجتمعات المختلفة سوف تكون متباينة.

بمعنى آخر أنّ الفرد في أي مرحلة من حياته هو نتاج لخبرات مراحل سابقة من حياته، وهي التي تضفي عليه قسمات شخصيته المتميزة، فكذلك المجتمعات. فالحد الأدنى من القيم التي يغرسها المجتمع في أبنائه منذ الطفولة، صراحة أو ضمنًا، بمختلف أساليب ووسائط التنشئة الاجتماعية، هي التي ترسم الحدود الفاصلة بين أبناء ثقافة معينة وأبناء ثقافات أخرى.

إذن فإنَّ ملامح الشخصية لأيّ مجتمع هي انعكاس لشخصيات الأفراد، وهي ملامح التجربة المشتركة لأعضاء المجتمع كنتيجة لتجاربها الأولية خلال فترة الطفولة التي لها جوانب كثيرة من الملامح المشتركة. بطبيعة الحال إنها لا تعكس الشخصية الكلية في الفرد ولكنها تعكس الأوضاع المشتركة للأفراد حيث إنّ العناصر الوراثية أيضًا تلعب دوراً في تكوين شخصية الأفراد.

والشخصية الوطنية تعكس التجارب المشتركة للأفراد خارج نطاق اختلافاتهم الفردية. وعليه فإنّ أي فرد يعيش في مجتمع مُعين يأخذ مفاهيمه واعتقاداته وطرق اختياراته وطرق حكمه على الأشياء وأفعاله وانفاعلاته وردود فعله على الأحداث . بمعنى آخر إنّه يتعرَّض لنوع من "التنويم الاجتماعي".

 

appleorangeali@gmail.com