الوطن والحكومة

عبدالقادر عسقلان

يبدو في هذه الفترة أنَّ هنالك أحزابا وتكتلات وطوائف في المنطقة العربية لا تفرق بين الوطن والحكومة، ولا يوجد مثل هذه الجماعات في أي بلد في العالم يسيء إلى وطنه بل وأمته، بقدر ما تفعله هذه الجماعات في بلادنا.. فهل سمعتم بأن هنالك أحزابا وتكتلات وطوائف في أي بلد  في العالم تقوم بهدم وطنها انتقاما من الحكومة كما هو حادث في منطقتنا؛ فهنالك خلط بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، وهذه الجماعات في بلادنا تعتبرهما واحدا، ونسيت أو تناست أنَّ الحكومة هي إدارة سياسية للوطن، وينتهي دورها خلال فترة محدودة، ولا يوجد حكومة تبقى إلى الأبد، بينما الوطن هو الجذور التي ننتمي إليها، هو تاريخنا، هو أرضنا التي نعيش عليها، هو التراب الذي ضم عظام أجدادنا، هو فكر كتابنا، هو من مارسنا معه عاداتنا وتقاليدنا، هو انتماؤنا، هو هُويتنا، فكيف يُمكن أنْ نُعاقب الحكومة بهدم مقدراته، أو هدم مدارسه ومستشفياته، أو بقصف أحيائه وتشريد وإهانة أبنائه، ونتصادق مع أشرار الأرض من أجل ذلك. بالأمس، كُنا نسمِّي من يقوم بالتعاون مع الأعداء والتجسُّس على وطنه لصالحهم بـ"الخائن"، فكيف بمن يقوم بالتعاون مع أعداء وطنه علنًا، ويقوم بشن حرب تستخدم فيها كافة الأسلحة التدميرية والتي تهدم الحجر وتشرد البشر مقابل أموال ترد إلى جيوبهم بحجة مقاومة الحكومة؟! وكأنَّ الوطن ملكا للحكومة وليست ملكا للأمة بأكملها، وما علاقة الحكومة بالمستشفى الذي نُعالج به جميعا؟! والجامعة التي يتعلم بها كل أبنائنا؟! فهي ليست ملكا لمن يقوم بإدارتها، بل هي ملك لمن يقوم باستخدامها، ومن يقم بهدمها لا ينتقم من الحكومة، بل ينتقم من الوطن، وعليه فهو مرتكب للخيانة العظمى.

هنالك وسائل عديدة لمجابهة ومقاومة سياسات وإجراءات الحكومة، فكم من حكومات سقطت وتبدَّلتْ من جراء مواجهة الشعب لها، إما بالحوار البنَّاء بين المعارضة والحكومة، أو بالمظاهرات السلمية أو الاضرابات أو الاعتصامات أو بالاحتجاجات من خلال الصحف المحلية، والتي تنقل حالة عدم رضا الشعب عن حكومته، أما أن تقوم المعارضة بالتحالف مع قوى استعمارية أهدافها لبلادنا معروفة أو مع قوى شريرة مُرتزقة خُلقت من أجل هدم أوطاننا وإضعاف إمكانياتنا، وأن تكون تابعة وتأتمر بأمر هذه القوى، فهذه معارضة ليس لها انتماء صادق لوطنها؛ فالمُحب لوطنه لا يتآمر على هدمه وتدميره وتشريد أبنائه بحجة مقاومة الحكومة؛ فالمعارضة الشريفة التي بها قاعدة شعبية في وطنها، تقاوم الحكومة من خلال الشعب الذي هو قوتها وقاعدتها، ومن خلال الحوار البناء الذي يصبُّ في مصلحته الوطن، والآن ومهما بلغ بطش الحكومات تبقى ضعيفة أمام صلابة مقاومة الشعوب، خاصة إذا كان لديها قيادات معارضة شريفة يهتمون بمصلحة وحماية أوطانهم.. ليعلم هؤلاء الذين يقومون بهدم أوطانهم بأسلحة أسيادهم بأنَّ الوطن باقٍ مهما بلغت قوة الهدم الذي يقومون به، وعندما تخور قواهم أمام مقاومة الوطن، عندها لن يجد هؤلاء الخونة وطننا لهم يلجؤون إليه؛ فالاوطان لا تحتضن من أراد هدمها وتشريد أهلها، وسيموتون أذلاء وغرباء لا أهل لهم ولا وطن.