ولادة الكتاب الأول

 

زينب بنت محمد الغريبية

هناك كثيرون يعتقدون أنَّ عملية النَّشر هي قرار مُؤجَّل ..لا يعرفون متى سيأتي وقته .. لذا يحرمون المُجتمع من إثراء حياته الفكرية، وزيادة رصيده المعرفي، وهناك آخرون يرون أنَّ النَّشر هو للنخبة من الكُتاب المُتمرسين الذين نشروا قبل ذلك أكثر من كتاب، ولديهم جمهورهم الذي يقرأ لهم، فلماذا ينشر الكتاب الذين ليس لهم جمهور؟ وهناك من يرى أنَّ النشر عملية صعبة جدًا.. في ظل انعدام الخبرة وغياب المؤسسات المُساندة التي تأخذ بأيدي الكُتاب وتُقدِّم لهم الدعم الكبير ليتمكنوا من نشر الكتاب الأول، الذي يشبه المولود الأوَّل، يزيد من لهفة الانتظار، ويحتار الكاتب في اختيار "اسم" له، ويستعد لاستقباله بفارغ الصبر...مثل هذه المُعتقدات تسود في المجتمعات التي لا تَعرف حركة النَّشر الكبيرة التي تعرفها المجتمعات الأخرى التي يزدهر فيها "سوق الكتاب"، ويزداد فيها عدد دور النشر، وتتسابق فيها الصفحات الثقافية والقنوات الإخبارية إلى تقديم كُتاب جُدد، قد يكونون مغمورين مع أوَّل كتاب ينشرونه ..لكن دار النشر التي تنشر لهم ..ربما تصنع معهم تاريخًا ..حين يصبحون كتاباً كباراً ..لا يُمكن أن ينسوا يومها كتابهم الأوَّل.

ما أود أن أقوله أنَّ كل شيء حولنا يستحق التدوين، ما نعيشه من قصص اجتماعية، وما يمر بنا من مواقف، والأماكن التي نذهب إليها زائرين أو نُقيم فيها دارسين، تأملاتنا وتساؤلاتنا، ورسائلنا العلمية، وجدالاتنا الفكرية، وسير آبائنا وأجدادنا، وحكايات جداتنا، وخربشات أطفالنا، كل لديه فكر يُريد أن يوصله للآخرين، فلا نخبوية في النشر، ولا طبقية في الكتابة، والمُهمة التي تكون سهلة عادة على الكاتب الكبير الذي تتسابق دور النشر للنشر له، تكون صعبة إن لم تكن مُستحيلة لكاتب مبتدئ ومغمور لا يعرفه أحد حين يُقدم على نشر كتابه الأوَّل، وبالتالي مساعدة هؤلاء المبتدئين ..أكثر أولوية في المُجتمعات التي تريد أن تنهض بالكتابة، وتباهي العالم بكُتابها الذين يُمكن أن يحصدوا الجوائز الإقليمية والعالمية ويعودا لها بسُمعةٍ كبيرةٍ لأنّهم يحملون اسمها، ورب بلد لا أحد يعرف عنه شيئاً حسناً إلا ما يكتبه كاتب، ومثال ذلك الروائي الكولومبي جابريل جارسيا ماركيز الذي لم يعرف العالم عن بلده إلا بفضل شهرته، ويوم توفي وهو منفيٌ عن بلده خرجت قنوات الأخبار العالمية، ورؤساء العالم ينعونه بقولهم "الروائي الكولومبي ماركيز".

لقد أخذت عهداً على نفسي أن أُساعد المُحتاجين من الكُتاب المُبتدئين على نشر كتبهم الأولى، وآمنت بذلك من خلال دار النشر التي أُديرها، وهي "دار الوراق"، التي تمضي قدمًا إلى الأمام بهذا الإيمان وبهذا المبدأ، وهذا الإخلاص، ليست العملية مُعبدة ..لأنَّ كل شيء معبد في بلدنا إلا طريق الكتاب لكي يرى النور، ووظيفتنا في هذه الدار أن نجعل هذا النور العماني يشع في كل مكان ..بدأنا خطواتنا الأولى ..ونتطلع بثبات للمستقبل، مستقبل نقود فيه الكتاب العماني إلى آفاق إقليمية وعالمية ..مستقبل نكون فيه بوابة لعبور كُتاب كثيرين إلى عالم الكتابة.. لقد أخذنا في هذا العام بأيدي عشرات الكُتاب الجدد من العمانيين في مختلف حقوق المعرفة منهم الأطفال، ومنهم الأكاديميون، والروائيون، وكتاب القصة، وكتاب المقال، والشعراء، وتحملنا معهم الولادة الصعبة للكتاب الأول، الذي لا نريده أن يولد مشوهاً.. ولذا نبذل جهداً كبيرًا من خلال العديد من اللجان للارتقاء به، وتقديم النصائح للكتاب، والبحث عن أفضل التصاميم التي تتواكب مع التطور الذي وصل إليه نشر الكتاب في العالم، عشرات الكتب عايشنا لحظات فرح كُتابها ..بظهورها، لقد منحنا ذلك الفرح دافعًا كبيرًا لمواصلة ما نقوم به من أجل الارتقاء بالحياة الفكرية في عُمان، عُمان التي لا ينقصها الكُتاب والمبدعون، ولكن ينقصها القنوات التي يمكن أن تأخذ بكتاباتهم للنشر، ونحن في دار الوراق لا نُريد أن نكون قناة إنما نهراً دائم الجريان بما هو جديد من كتابات هؤلاء الكتاب الذين سوف يصنعون تاريخًا فكريًا ناصعًا لعُمان ..سنكون سعيدين به ..وبأننا ساهمنا في كتابته.

 

الكتاب الأول هو البداية لكل كاتب.. وهذا العام شهد ولادة ما يُقارب مائتي كتاب بعضها من دار الوراق، بعضها ولد وينمو عدد قرائه.. وبعضها الآخر على وشك الولادة في الأشهر القادمة..ومعظم هذا الإنتاج هو لكُتاب مبتدئين وهو تحقيق لشعارنا "لنصنع عُمان مفكرة"، هذا الشعار الذي نأمل من الجميع دعمه، ودعم الكتاب الذين يخرجون من عباءته، لأنّه لا عصا يمكن أن نتكئ عليها ونهش بها على التَّحديات التي تواجهنا إلا الكتاب الذي نريده أن يحمل عبارة "صدر في عُمان"، وصدر من "دار الوراق".