إدريس جالا.. ورحلة التنفيذ

 

 

عمَّار الغزالي

لا يُمكن للطائرة أن تُحلِّق للأبد، حتماً لابد لها من هُبوط.. وكذلك هي الحال مع الخطط والإستراتيجيَّات الاقتصادية تحتاج إلى برامج وخطوات تفصيلية تهبُط بها هبوطاً آمناً من التحليق في الفضاء النظري إلى مدرج الميدان العملي، وإلا.. فيا خسارة الجَهد والوقت والمال.

ومن واقع خبرته في عالم الطيران كرئيسٍ سابق للخطوط الجوية الماليزية، تحدَّث السيناتور مَعَالي إدريس جالا المدير التنفيذي لوحدة "إدارة الأداء والتنفيذ" الماليزية واضعا يده على الجُرح، خلال كلمته بختام المرحلة الثانية للبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ"؛ حيث شدّدَ على ضمانات رئيسية لإنجاح مخرجات "المختبرات"؛ والتي من أهمها: قدرة الحكومة على تخطي ما تواجهه من تحديات في سبيل ترجمة خطط البرنامج وتنفيذها على أرض الواقع؛ إذ إنه وفي ظل تداعيات الأزمات المتتالية والتي أرخت سدولها على مختلف القطاعات، والتحليلات حول حجم الخسائر وعجوزات الموازنة والقرارات والمنشورات والتعاميم الداعية لإجراءات تقشفية، وما تنسحب به على ضُمور المشاريع التنموية، بلا شك يحتاج كل هذا إلى إرادة حقيقية من الحكومة وآلية عمل محدَّدة المعالم للخروج من عُنق الزجاجة، قبل أن يضيق وتضيع فرصة الإفلات من تبعات الأوضاع الراهنة.

ولعلَّ تعاوناً مبشراً بالخير لمسهُ جميع المشاركين في "مرحلة المختبرات" سواءً من القطاع الحكومي أو الخاص أو المجتمع المدني، وما بُذل من جهود جبارة لإيجاد مبادرات مُحفِّزة لنمو القطاعات الرئيسية المستهدفة، وتعزيز مساهماتها في الناتج المحلي الإجمالي؛ لا يجب بأية حال أن يصطدم بصخرة "البيروقراطية" أو ضعف الأداء الحكومي، أو أن تبقى مخرجاته طيَّ الأدراج لا يُلتفت إليها، خصوصا وأنَّ ما اطلعنا عليه خلال الأيام القليلة الماضية يؤكد أن المشاركين في البرنامج راعوا اعتماد خطط تنفيذ تفصيلية قابلة للتطبيق؛ من أجل ترجمتها إلى واقع، وفق أسلوب عمل يتسم بالمرونة والقدرة على تكييف إجراءات العمل تبعا للمواقف والمتغيرات التي قد تطرأ.

وقد جاء حصاد المرحلة الثانية من البرنامج مثمرًا، حصيلته 112 مشروعا تشمل خمس مختبرات رئيسية، ثلاثه منها على شكل قطاعات محددة وهي السياحة واللوجستي والصناعات التحويلية؛ وذلك بهدف رفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50% خلال السنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى مختبرين مسانديْن؛ هما: التمويل المبتكر، وسوق العمل والتشغيل، إلى جانب الإعلان عن البدء الفوري في تحويل المخرجات إلى إنجازات على أرض الواقع، وتوقيع معالي الوزراء والمسؤولين في القطاعات المختلفة على "وثيقة تعهُّد" بتنفيذ المتفق عليه من مشاريع، والعمل على تذليل أية صعاب أمامها.

إلى هُنا يبقى "الكلام جميل"، وإلى أن يتم الإعلان بشكل تفصيلي للجمهور عن تلك المشروعات وآلية العمل على تنفيذها في العشرين من نوفمبر المقبل، سيبقى النصيب الأكبر من الحديث منصباً على أهمية المضي قُدما في آليات تعزيز المحفزات والإضافة إليها، ومعالجة التحديات؛ لضمان إنجاح وتحقيق الأهداف، ومنح فرص التنفيذ ومنهجيات العمل للكفاءات؛ إذ كما سبق وأشرنا فإنَّ الوضع الحالي لا يحتمل أية أخطاء أو تأخير؛ فبرنامج كـ"تنفيذ" وغيره من المشاريع والبرامج المشابهة يتطلَّب خبرات وكفاءات بشرية، وتوحيدا للجهود، وطرقاً مبتكرة في التنفيذ.

والمنطق الذي تحتكم إليه إشكالية "تنويع مصادر الدخل" لا يُمكن بأي شكل من الأشكال التعامل معه وفق آلية "ردود الأفعال الوقتية"؛ إذ إن تعاملا كهذا لا يمكن أن يحقق الهدف؛ أو يعالج المشكلة؛ فقد أصبحنا الآن نمتلك خطة ومنهجية مُنضبطة، ويبقى فقط الإعلان عن إستراتيجية تنفيذها بمثابة "المناعة الاقتصادية" التي تقي منظومتنا شرورَ الملمَّات، وتبقى في المقابل المراهنة على "تحديات الدخل" كمحرك وحيد للبدء في تنفيذ الخطط "مراهنة خاسرة"؛ إذ لا بد من الاقتناع بها أولاً؛ والنظر إليها على أنها الخيار الوحيد لضمان الاستقرار المالي.. فالأهداف الطموحة تبقى حبراً على ورق ما لم تتبناها جهات التنفيذ وتؤطرها بإستراتيجية محكمة محددة المدة، إذ إنَّ استمرارية العمل الحكومي "التقليدي" لن تُساعد في تحقيق الأهداف الطموحة؛ بل ستثقل من حركة التطوير الحالية.

وعلى كافة الأجهزة المعنية بتنفيذ مخرجات "تنفيذ" أن تعلم تمام العلم بأنَّ الرقابة المجتمعية المتصاعدة التي فرضتها وسائل التواصل بتعدُّد أنواعها وأدواتها، والتي تتابع بكل اهتمام كافة الجهود والبرامج والمبادرات الوطنية، تضعهم أمام تحدٍّ حقيقي واختبار مُتابع من قبل المجتمع، ومسؤوليات يُفرض عليها المضي قدما لتحقيق الغايات والأهداف بكل عزيمة وإصرار. وعلينا جميعاً أن نضع نُصب أعيينا النطق السامي لقائد عُمان المفدَّى -أيَّده الله- خلال لقائه بكبار رجال الدولة في الخامس عشر من مايو للعام 1978؛ حين قال: "هناك أمر هام يجب على جميع المسؤولين في حكومتنا أن يجعلوه نُصب أعينهم؛ ألا وهو أنهم جميعا خدم لشعب هذا الوطن العزيز، وعليهم أن يؤدوا هذه الخدمة بكل إخلاص، وأن يتجردوا من جميع الأنانيات، وأن تكون مصلحة الأمة قبل أي مصلحة شخصية؛ إذ إننا لن نقبل العذر ممن يتهاون في أداء واجبه المطلوب منه في خدمة هذا الوطن ومواطنيه".

وختاماً.. كمسافرين جميعاً على متن طائرة "تنفيذ"، ستبقى عقولنا يقظة تماماً مهما أخذت الأعين من غفوات، رابطين الأحزمة، مُستمتعين بالرحلة، مسحورين بجمال الأُفق، مُحلقين في فضاء الأمل، ومتسلحين بالعلم والعمل، مُتطلِعين أن نصل يوماً إلى العالم الأول.. رافقتكم السلامة!!

 

ammaralghazali@hotmail.com