الانتخابات الأمريكية والكوميديا

 

 

معاوية الرّواحي

 

 

وهل هناك حدث في العالم، بعد كأس العالم يتابعه المليارات سوى حدث جلوس رئيس البيت الأبيض الجديد على عرش أكثر دول العالم عجائبية؟ لست بصدد تحليل سياسي عن مشاريع سياسية قائمة على الأكاذيب والتناقضات، أشد عقول العالم عبقرية سيعجز عن متابعة طوفان الأكاذيب المقنعة التي تنسال من أفواه المترشحين. هناك ظاهرة أخرى أغرب، تحدث الآن، وهو "السياسي المسرحيّ". لو كنت من متابعي الكوميديا الفردية، لوجدت تقاطعا كبيرا في اللغة المستخدمة في حوار مرشحين يفترض أنهما يتحدثان عن أكثر المواضيع جدية، مثل مصير العالم بسبب التضخم الحراري، أو الحد من انتشار الأسلحة النووية. ترد هيلاري على ترامب "مامي تتكلم" وترامب يرد على مرشح آخر يلمح إلى حجم أعضائه التناسلية !!!!!!! ويرد عليه ويقول: كل شيء بخير؟
جعلتنا الانتخابات الأمريكية نفهم فلسفة النظام العالمي الجديد الذي يولد الآن رغما عن أنوف الجميع. العالم المتحد الذي لم يعد منفصلا عن بعضه البعض، يعيش ألم سوريا الطفل الأمريكي، كما يعيش الطفل الفلسطيني كارثة هاييتي. تبدو أمريكا دولة واقعة في خدرٍ من نوع خاص لن يزول بسهولة. ولأنني شبه موقن أن الفائز في الانتخابات سيكون دونالد ترامب لا غيره، أشعر أننا أمام مرحلة عالمية جديدة. هل أنا بذلك الجزم أنه سيفوز؟ لست أدري، ولكنني لا أرى هيلاري كلينتون تفوز بخطاب "مسالم سياسيا ".. خطاب مرشحين لرئاسة البيت الأبيض وصل إلى تلاسن في الشارع بين غريبين. وعلى عكس ما يتم تداوله عن ترامب من تعليقات شخصية، هذا الرجل لديه فلسفة واضحة للغاية عمّا يريد فعله "بقوة" البيت الأبيض، يقول للعالم أنّ أمريكا لم تعد أمريكا عندما توقفت عن "البلطجة" على دول العالم وعلى نفطها، ويصرح بوضوح أنّ الحروب مصدر دخل جيد، وأنّ القوة العسكرية هي الضمانة المطلقة. يقول لهم سوف أنظف أمريكا من المقيمين غير القانونيين، وسوف نعيد للصناعة الأمريكية مجدها. هذا الرجل لم يحصل على التأييد من فراغ، لو كنتُ أمريكيا لأنصت قلبي له أكثر من إنصاتي إلى "هراء" كلينتون عن الوضع العالمي، وأحلام امرأة برئاسة البيت الأبيض، نعم سيكون مذهلا أن يخلف الرئيس الأسود الأول امرأة، ولكن هل تقول هيلاري ما يجب أن يقال؟ تقول هيلاري الكلام بلغة السياسي، تحاول أن تنزل إلى لغة الشارع. بالنسبة لأوباما أيام حملته الانتخابية لم يجد مشكلة، فالقليل من اللكنة السوداء وضرب القبضات يكفي لكي يقول للجميع: إنه رجل الشارع.. مع أنّه من نخبة النخبة، ومحرر في مجلة هارفارد القانونية، وعاش حياة مليئة بالترحال جعلته ما هو عليه، مع ذلك، يقنعك أوباما أنّه الرجل الذي بجانبك في المقهى، وبين يديه الأزرار النووية التي يهددنا بها كل رئيس أمريكي ليذكرنا أنّ نهاية العالم بين يديه. أمريكا شيخ متصابٍ، بكل إعلامييها الكبار الخمسينيين والتسعينيين. تعيش مترهلة وتنتظر زوال جيل هيلاري، وجيل ترامب ليولد الجيل الجديد الذي أصبح فعلا جزءا من "العالم".. قبل عشر سنوات تشرح للأمريكي عشرين ساعة أنّ هناك "دولا" خارج الكون الأمريكي، الأمريكان الآن أصدقاء في الفيس بوك، ويتكلمون اللغة العربية، ويدخل بعضهم الإسلام. أمريكا التي هي أمريكا، ليست دونالد، وليست هيلاري، أمريكا دولة أخرى "سجينة" في مؤسسة تحتفظ بمن فيها زيادة عن اللازم، ولذلك أصبح لدينا خطاب كوميديا لن يتكرر، للناخب العشريني الذي سيصنع مصير صواريخ الكروز، وربما يصنعها في مصنع فخم أنيق، سوف يحمل اسم "ترامب" بعد أن يدخل تجارة السلاح، من يدري ماذا سيحدث له لو جرب طعم الدماء؟؟ لا يوجد سيناريو واضح، وهذا يعني أنّ العالم مقبل على مخاض جديد، لن يمر بسهولة.