عزيزي الرقيب: ماذا أريد منك؟

 

 

معاوية الرواحي

 

عزيزي الرقيب:

أعلمُ أنَّك تقوم بوظيفتك. وأؤمن أنَّه لا توجد حريةٌ مطلقةٌ في أي مكان في العالم، وجود هذه المحددات تتفاوتُ من مكانٍ لآخر، الذي لا يختلف هو أنَّ هناك ثمَّة محددات. الذي يتقدمُ إليكَ مُحتَرِمًا وظيفتك ليس بصدد الاختلاف مع هذه المحددات، إنه يريد أن يمرَّ بالإجراء الإداري المتعارف عليه في كل معاملةٍ لمواطنٍ مع حكومة بلادِه، نتفقُ على جوهر هذه المحددات الرئيسي: (الله، الوطن، والسلطان). وقد جاءت الدعوةُ للتعبير عن الرأي من قبلِ من هو مؤتمنٌ فيما يقولُه، ومن يدعو إلى عدم الخشية من التعبير عن الرأي، وهذا الذي أفعله، وأعبر عن رأيي تجاهك.

هل تعلم عزيزي الرقيب ما هو المؤلمُ في موضوع الرقابة؟ سأخبركَ الحالة من الجانبِ الآخر. الترقب هو أوَّل المشاعر المريرة، هل سيُجاز هذا النص؟ أم لا يجاز؟ وهل تعلمُ كم هو مبهجٌ أن يأتي الرد سريعا ويقول "لن يجاز" صدقني، هذا ليس مؤلمًا، ولا مُحزنًا بقدر الحالة الأخرى، عندما يبقى الأمرُ مُعلَّقًا. يتفاوت الكتَّابُ في انفعالاتهم وعواطفهم تجاه هذا الموضوع، ولكن بشكل عام يبقونَ في الدائرة نفسها، ذلك الشعور المرير بالأسى. وأنت من يا عزيزي الرقيب؟ أخي في الوطن! الذي أحبُّه، وأتمنى له كل الخير، وقد لا تسعفني طريقتي في التعبير عن حبي لوطني. فماذا عليك؟ أن تبصَّرني بملاحظاتك، وأن تكون سريعًا في ذلك، وأن تتذكر هذا الذي ينتظر ردِّي هو ابن بلادي، الذي يتشوق إلى مشاركةِ مادةٍ من روحِه، ووجدانه، وأفكاره، ومشاعره، وإبداعِه على هيئة كتاب أو مادة مسموعة أو مرئية.

الأمر مهني بحت يا عزيزي الرقيب. ما دُمتَ تدقق في مُنتجٍ ذهني لشخص آخر، لم لا تضع ذلك في حسبانك؟ أن تكون أنت مُساهمًا في الإبداع، وأتفق كثيرًا مع العزيز سليمان المعمري أن شأن الرقابة على الكتب والإبداع يجب أن يتم من قبل مبدعين، من ذوي الخبرة، هكذا نحوِّل الرقابة إلى قيمة مُضافةٍ للعقد القانوني بين الطرفين، نصوص القانون تقول إن هناك محددات، والتصريحات البيّنة تقول إنها تتعلق فقط بـ(الله، والوطن، والسلطان)، وعندما يكون ذلك بدعوةٍ ينادي بها سلطان البلاد -حفظه الله ورعاه- فأي بشارةٍ هذه لكل صاحب رأي، وهُنا انتقلُ الموقف إلى يدك يا عزيزي الرقيب، لذلك أكتب لك هذه الرسالة في هذا المقال.

ما الذي يريده المُبدع منك؟ أن تناقشه، عندما يستدعي الأمر تغييرًا لا تغيره من عندك، أجله لينشر في موعدٍ آخر. وهذه شؤون إدارية سهلة الحل من قبل المؤسسة الرسمية. منصة من خلالها يُتابع الكاتب كتابه الذي قُدِّم للرقابة، ومدى زمني لكل موظف يعمل في مجال الرقابة لتسليم ما لديه، ونوعٌ من التفاهمِ الذي يوقف تفاقم المشاعر السيئة والتي قد تذهب بالإنسان للإحباط، وقد تقوده إلى دروبٍ غير منتجة ينفق فيها الوقت والجهد، ولعله يكتبُ ما هو مسموح حتى ضمن رؤيتك. كثرة التجارب المعلَّقة أسوأ بكثير من الرد الحازم: "ممنوع"؛ لأن التغيير يُعطي أملًا للنص بالحياة، أما التعليق فيعني تعطيلًا غير منتجٍ، فلا الكاتب قادر على تعديل نصِّه، ولا هو قادر على نشره، نعم يا عزيزي الرقيب، قد تكون سببًا في انسياق إنسانٍ منضبط للغاية وذهابِه إلى عالمِ النص المؤقت فقط لأنَّك لم تحسب حسابًا لعاطفته، والمبدع كائن عاطفي مُزعج بمعنى الكلمة، وليس منطقيًّا، أو عقلانيًّا.

الرقابة كابوسٌ حقيقيٌّ بالنسبةِ لهذا الذي يُريد أن يخرج عن المحددات. لكنه ليس كابوسًا بالنسبة لكثيرين، لعلك يا عزيزي الرقيب بنصيحةٍ منك، وبكثير من المهنية، وببعض الاهتمام بشؤون المتابعة الإدارية ستوقفُ شابًا في بداية العمر عن التهور بلا داعٍ، هذا هو عالم المبدعين والكُتّاب، ليس كلَّهم يفهمون أين يقفون، بعضهم يحتاج للنصح وبعضهم لن تتفق معه، المحدد هو القانون وهو واضح، والنفعُ لن يكون في منصات النشر المؤقتة، وما دامت هذه المنصات بيديك، فلنفكر سويًّا في طريقةٍ تناسب الجميع.

أنت تقرأ موضوعًا يا عزيزي الرقيب، فإنْ كُنت ستضع عينك على اسم كاتبِه قبل كل شيء، وستحرك آلة الحيطةِ التي لديك حدَّ رفضك لمادةٍ لا حرجَ عليها بكل المعايير القانونية، فهُنا نقول لك عزيزي، ربما هذه المهنة ليست هي الأنسب لك. أنت تقرأ موضوعًا، ولا تحكم على شخص، ومتى ما استطعتَ أن تتجاوزَ تلك الأحكام، أو الافتراضات أن شخصًا ما إشكاليٌّ بالضرورة حتى وإن كتبَ فيما هو غير إشكالي، فهنا أيضًا عزيزي الرقيب أقول لك: قد تكون جزءًا يصنع ذلك الإشكالي، وأنت تظنُّ أنك تحسن صنعًا.