الهيئة العامة لحماية المستهلك تتحدث في "دافوس"

 

 

سُلطان الخروصي

يُشكِّل الاحتكار أحد الأمراض المعضلة التي تنسف اقتصادات العالم، بل وتدفعه إلى واقعٍ هشٍّ لا يحفظ لها الأمن الاقتصادي القومي، وربما يخلق غضبا اجتماعيًّا؛ فأينما وجد الاحتكار وجدت المحسوبيات والغش وإحكام قبضة الأسعار على المستهلكين وفق المزاج، علاوة على اندثار ماهية الجودة والخدمات المقدمة للمستهلكين. ومن هنا، فقد اهتمَّت السلطنة في الآونة الأخيرة بالوقوف عازمة وحاسمة أمام الأسر المحتكرة للسوق المحلي طوال عقود خلت، وسعت لتأسيس روح التنافس الشريف بما يخدم الاقتصاد والمستهلك على حدٍّ سواء، وأوكلت تلك المسؤولية الجسيمة على عاتق مؤسسة ناشئة استطاعت أن تثبت وجودها وتتحدث للعالم بصمتها الملكي عبر نافذة "الهيئة العامة لحماية المستهلك"؛ إذ إنَّ الصحف العالمية قد أظهرت تقدم اسم "عُمان" في مواجهة الاحتكار وقدرتها على تأسيس قواعد مكينة للتنافسية بالسوق ضمن التقرير السنوي للتنافسية العالمية للعام 2016م في دافوس بسويسرا، حيث تقدمت السلطنة 29 مرتبة عن العام المنصرم، ونعني بالتنافسية وفقا لتعريف المنتدى الاقتصادي العالمي "توفر المؤسسات والسياسات القادرة على تحقيق نمو اقتصادي على المدى الطويل بصورة تفوق نظيراتها لدى المنافسين في السوق العالمي، والذي بدروه يعمل على تحسن مستوى المعيشة للمواطنين وتحرير السوق من هيمنة القطب الواحد"؛ ومما دفع العالم للالتفات إلى سياسة التنافسية وتحرير السوق من هيمنة القطبية المحتكرة هي تلك التغيرات المتسارعة في الاقتصاد العالمي وتأثيراته الاجتماعية والسياسية والمعيشية، علاوة على التطورات التقنية والعلمية، أضف إلى ذلك الطموح لتحقيق نمو اقتصادي قومي وعالمي عالي.

والمتابع لنجاحات هذه المؤسسة الوليدة "الهيئة العامة لحماية المستهلك"، يلحظ أنها تقدم عطاءات ومراتب عالمية تفخر بها السلطنة، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى لفت الانتباه وتعزيز الثقة بها من قبل المؤسسات والأفراد من خلال إعطائها جملة من الصلاحيات وتعزيز اعتماداتها المالية المستحقة وتمكينها ضبطيا وقضائيا، فأقرب إنجاز نفخر به هي هذه القفزة الطولى في المنظومة الاقتصادية العالمية لهذا العام وضمن تقرير "التنافسية ومنع الاحتكار" حيث تقدمت السلطنة من المرتبة 90 إلى 61، كما قفزت 13 مرتبة في مجال الحد من الهيمنة والاحتكار؛ ومثل هذه المراتب من الصعوبة بمكان الوصول إليها في ظل اقتصاديات عالمية عملاقة إلا بجودة العمل والعطاء ووجود كوكبة على مستوى رفيع من الفهم والاستيعاب وقراءة واقع السوق وجس سيناريوهاته اللاحقة، جدير بالذكر أن قانون "حماية المستهلك" رقم (76/2014) والذي تطرق في أحد فصوله إلى "حماية المنافسة ومنع الاحتكار" لم يتم صرف أي اعتمادات مالية لتنفيذه حتى اللحظة على الرغم من مرور عامين منذ اعتماده، وهنا نتساءل عن سبب كل هذا التأخر في ظل حساسية وأهمية هذه المؤسسة الرائدة في تنقية السوق المحلي من دنس الاحتكار وخلق روح التنافسية وتعزيز ثقة المستثمرين!!!

ويُذكر أنَّ الهيئة -وفي ظل سعيها لتحقيق تفاصيل قانون التنافسية ومنع الاحتكار- استطاعت أن تقدم -حسب قدراتها- الكثيرَ من العطاءات والخيارات والبدائل للمستهلكين مع حفظ حقوق الوكلاء والتجار على حد سواء؛ فعلى سبيل المثال ألزم هذا القانون وكالات السيارات بأن تشمل خدماتها وصيانتها للمركبات من ذات النوع حتى لو تم شراؤها من غير الوكيل مع بقاء الضمان؛ وذلك أسهم في انتعاش سوق التنافس وانخفاض أسعار المركبات، كما استطاعت الهيئة بهذا القانون إرجاع الحديد لسعره الطبيعي العالمي بعدما وصل إلى أسعار خيالية في مرحلة سابقة أثقلت كاهل المقاولين والمواطنين، علاوة على عودة بيع بعض السلع بسعر التكلفة، أضف إلى ذلك متابعة أسعار وجودة قطع الغيار المختلفة والذي أنعش السوق وأدخل العديد من الشباب العماني في التوريد وطرح أسعار تنافسية بجودة عالمية، دون أن ننسى الجهود الجبارة التي تبذل في سبيل الحد من الغش الغذائي والدوائي والتعليمي والمواد الكمالية.

نُبارك للسلطنة هذا التفوق والتقدم الذي جعلها رقما في سماء العالمية، كما ينبغي على المؤسسات العليا بالدولة ورجال المال النافذين ومختلف المؤسسات الرسيمة والمستقلة أن تشد على يد الهيئة في سبيل تطهير الاقتصاد المحلي من مافيا المال الذين لا يولون اهتمامهم بجودة ما يقدمونه ولا يرضون بخلق جو تنافسي شريف قائم على المعايير العالمية، ونحن في مرحلة استقطاب رؤوس الاستثمار العالمي بالدقم وصحار ومناطق اقتصادية إستراتيجية قادمة؛ فشكراً للقائمين بالهيئة العامة لحماية المستهلك: رئيسا، وخبراء، وموظفين.

 

sultankamis@gmail.com