عُمان في التقارير الدولية

 

محمد أنور اللواتي

تقوم الكثير من المؤسسات الأُممية، ومراكز الدراسات والأبحاث العالمية بإعداد تقارير دورية تتناول مواضيع عدة كأوضاع الاقتصاد، والحُريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعدد من الدول، ومن ثمَّ تصنف تلك الدول وفق آليات ومؤشرات محددة. ومن المهم لواضعي السياسات ومختلف فئات المُجتمع المدني الاطلاع على تلك التقارير والاستفادة منها، فأصحاب القرار بحاجة إلى إرشاد وتوجيه من مؤسسات تنظر للموضوع من منظور مختلف، ومن زوايا أخرى.

 

رغم أنَّ تلك التقارير الدولية تقدم تحليلاً مُعمقًا في نواحٍ كثيرة ومتنوعة حسب مجال اختصاصها، وتُسلط الضوء على عناصر القوة والضعف، إلا أنّه لا يُمكن التَّسليم بنتائجها بانصياع. ومن المُهم معرفة طبيعة المصادر التي تعتمد عليها، وفهم الملاحظات الواردة، والتَّعمق في قراءة التقارير والجداول التحليلية المُلحقة، والإطلاع على الوضع القائم وتفاصيله لفهم نتائجها بشكل أوضح. ومن المُلاحظ اختلاف النتائج التي تتوصل لها تلك التقارير، حتى في نفس المجالات لتصل لحد التنافض في بعض الأحيان بسبب اختلاف الأسس المنهجية التي تعتمدها، والمصادر التي تستقي منها المعلومات، مما يتطلب التعمق في مكنونات تلك التقارير. وساتعرض بشكل موجز إلى وضع السلطنة في بعض من تلك التقارير الواسعة الانتشار بإيجاز.

 

يُصدر البنك الدولي تقريره السنوي "ممارسة أنشطة الأعمال"، والذي يهتم بقياس مؤشرات مُتعلقة بسهولة ممارسة الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة. ويعتبر التقرير مرجعًا مهمًا للمستثمر الأجنبي لما يشمله من العناصر الأساسية التي تؤثر على بيئة الأعمال، وبالتَّالي تساعده على اتخاذ القرار المُناسب. في تقرير عام 2016، ارتفع ترتيب السلطنة سبع مراتب إلى المرتبة 70 عالميًا. أما في المؤشرات الأساسية فقد حلَّت السلطنة في المرتبة  149 في مؤشر بدء النشاط التجاري، وفي المرتبة 134 في مؤشر حماية المستثمرين الأقلية، وفي المرتبة 126 في مؤشر الحصول على الائتمان، وفي المرتبة 105 في مؤشر تسوية حالات الإعسار، وفي المرتبة 70 في مؤشر إنفاذ العقود، وفي المرتبة 69 في مؤشر التجارة عبر الحدود، وفي المرتبة 60 في مؤشر الحصول على كهرباء، وفي المرتبة 46 في مؤشر استخراج تراخيص البناء، وفي المرتبة 33 في مؤشر تسجيل الملكية، وفي المرتبة 10 في مؤشر دفع الضرائب. ويوضح التقرير أهم مكامن الضعف للسلطنة والتي تكمن في الإجراءات الطويلة لبدء الأعمال التجارية، وفي الأطر القانونية سواء من ناحية وجود القوانين المالية أو تطبيقها وتوافر المعلومات الائتمانية والحوكمة.

 

المنتدى الاقتصادي العالمي يصدر "تقرير التنافسية العالمية" سنويًا، ويتناول فيه دعائم التنافسية عبر قياس 12 مؤشرًا رئيسيًا كالتالي: المؤسسات، والبنية التحتية، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والتَّعليم العالي والتَّدريب، وكفاءة سوق السلع، وكفاء سوق العمل، وتطور سوق المال، والجاهزية التقنية، وحجم السوق، وتطور بيئة الأعمال، والابتكار. احتلت السلطنة المرتبة 66 عالميًا في تقرير عام 2016-2017 بانخفاض 4 مراتب عن تقرير العام الماضي، بسبب الانخفاض الشديد في مؤشر "بيئة الاقتصاد الكلي" بسبب تأثرها بانخفاض أسعار النفط، ومدفوعة بالأداء الضعيف لمؤشر "التعليم العالي والتدريب" بسبب ضعف جودة التعليم، ولمؤشر "كفاءة سوق العمل" بسبب ضعف الربط بين الإنتاجية والأجور، وقلة مُشاركة النساء في سوق العمل، ولمؤشر "الابتكار" بسبب ضعف الاستثمار في الأبحاث والتطوير، وضعف القدرة على الابتكار. في المقابل حققت السلطنة أداءً جيدًا في مؤشرات "المؤسسات"، و"البنية التحتية".

 

كما يصدر المنتدى الاقتصادي العالمي "تقرير تنافسية قطاع السفر والسياحة" والذي يضم مؤشر تنافسية السفر والسياحة. ويقيس المؤشر العوامل والسياسات التي تساهم في تنافسية قطاع السفر والسياحة عبر 14 مؤشرًا ضمن 4 محاور وهي البيئة التمكينية، وسياسات السفر والسياحة والظروف التمكينية، والبنية التحتية، والموارد الطبيعية والثقافية.  وتصدرت أسبانيا قائمة أفضل الدول وفق مؤشر تنافسية قطاع السفر والسياحة للمرة الأولى، وذلك لمواردها الثقافية الغنية، وبنيتها التحتية المتطورة، وقدرتها على التكيف مع عادات الاستهلاك الرقمي. وقد جاءت السلطنة في المرتبة 65 بانخفاض حاد عن التقرير السابق الذي حققت السلطنة فيه المرتبة الـ 57 عالميًا. بالرغم من تغير منهجية التقرير واختلاف المؤشرات عن التقرير الماضي، إلا أنه من الممكن معرفة المؤشرات التي حققت السلطنة فيها مراتب متأخرة نسبيًا. حققت السلطنة المرتبة الـ 90 في مؤشر "الموارد البشرية وسوق العمل" والذي يقيس عدة أمور من بينها مدى تدريب الموظفين، وممارسات التوظيف وإنهاء الخدمات، وربط الأجور مع الإنتاجية، والمرتبة الـ 119 في مؤشر "الانفتاح الدولي"، والمرتبة الـ 90 في مؤشر "الموارد الطبيعية" والذي يتشكل من الموارد الطبيعية للبلد بشكل عام مثل المواقع الطبيعية والمحميات الطبيعية المسجلة عالميًا، وأنواع الثديات والطيور والبرمائيات، والمرتبة الـ 88 في مؤشر "الموارد الثقافية" والذي يتشكل من المواقع الثقافية والتراثية المسجلة عالميًا، والمعارض والمؤتمرات المقامة سنويًا.

 

يعنى برنامج الأمم المتحدة التنموي بإصدار "مؤشر التنمية البشرية" والذي يقيس مدى رفاهية الشعوب في العالم، من خلال ثلاثة أبعاد وهي المستوى المعيشي اللائق، والمعرفة، والحياة المديدة والصحية. وقد ساد الاعتقاد بأنَّ أفضل معيار لقياس تنمية الشعوب هو النمو في "الناتج المحلي الإجمالي"، والذي يقيس الحركة الاقتصادية فقط. فرض هذا الواقع على برنامج الأمم المتحدة التنموي وضع مفاهيم أخرى لمفهوم التنمية تمس الواقع الإنساني للمواطن من خلال تعزيز حقوقه وخياراته وإمكاناته وفرصه، وتمكينه من عيش حياة مديدة وصحية ومبدعة. التقرير في حالة تطور دائمة، والأهداف التنموية تفرض على واضعي التقرير رصد مؤشرات إضافية لقياس التنمية البشرية. وجاءت السلطنة في المرتبة الـ 52، وبدرجة 0.793 في التقرير الأخير، وهي أعلى مما حققته خلال الأعوام السابقة. ويعزى هذ التقدم بسبب التحسن في متوسط العمر الافتراضي عند الولادة، وفي نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي، مما يجعلها في مصاف الدول ذات التنمية البشرية العالية.

إنَّ السلطنة ماضية في خططها لتنويع الاقتصاد الوطني، وتحقيق هذا التنويع يتطلب الوقوف على مواطن الضعف والخلل، والابتكار في تقديم معالجات نابعة من الأهداف التي نسعى لتحقيقها وخصوصية البلد، مستفيدين من تجارب الدول الأخرى، وأفضل الممارسات المتبعة.

 

mohdlawati@gmail.com

 

 

*كاتب وباحث في المجال الاقتصادي

تعليق عبر الفيس بوك