هل يوجد أمان في عالمنا؟!

 

 

زينب الغريبيَّة

ما زلتُ أبحث عن الأمان في عالم تنتشر فيه الصراعات على مختلف المستويات، على مستوى العالم، تكمن قوى عظمى تحرك العالم، تنظر إلى ما تريد وتتجاهل ما تريد، تطلق الأحكام والوصف على الأشخاص كيفما تريد، فمن تصفه بالإرهابي ثبتت عليه التهمة، بقواها الإعلامية وهيمنتها على الحضارات استطاعت تثبيت آراءها كيفما تريد.. توجِّه العالم نحو السلام الذي تعرفه بنفسها ويحكم سيطرتها، بل ويدعم قواها على العالم، ويزيد من توثيق علاقات مصلحتها التي تمتص بها ثروات الكون؛ لتستطيع الحياة.

في عالمنا العربي، شاءت الأقدار أن يعم الدمار، ويستشري عبير الربيع العربي، برائحة النار والخوف، والتشتت السياسي، وما صاحبه من هزيمة اقتصادية تتقدم شيئا فشيئا، وهل شاءت الأقدار ذلك؟ أم أن الإنسان هو من شاء، ووضع نفسه بإراته أم بإرادة غيره في هذه الدوامة التي لا تعرف معناً للأمان ولا الاطمئنان، كنت مع أحد الأكاديميين قد التقينا في مؤتمر خارجي، من بلد عربي قد سلم نوعا ما من وجود ثورات من الشعب صاحبت ثورات الربيع العربي، وقال لي: "لا نقوم بمثلها حتى لو أن أوضاعنا سيئة فالحياة أفضل من اللاحياة".

والإنسان أيا كان في بلادنا عندما يعمل بإخلاص، ويحقق خطوات من النجاح، ويشعر بالحرب من كل من هم حوله، ليس لمواقف اتخذها ضدهم، بل لكونه حقق نجاحا، وأصبحت له بصمة، يشعر بقلق من تحركه فكم من يد تعمل ضده، وتنتظر عليه الزلة، بل ويُحاك له ما يحاك في عمله، حينها يبحث عن الأمان داخل بلده، التي تنعم بالأمان السياسي، ولكنها تفتقد أماناً يعيشه الفرد الناجح الذي لا يريد سوى أن يعمل ويخلص، وبالتالي ليس بيده أن يحقق نجاحا، الذي من الأولى أن يكون ذاك النجاح سبب الأمان الذي يوفر له لأنه يعمل على رفعة بلده، والعمل من أجلها.

وفي مجتماعتنا الحالية التي نلقي بأطفالنا في أحضان المدرسة ليتلقوا العلم، ويتم إكمال الدور التربوي لهم، من ناحية المعرفة والمهارات والحياة، إلا أن ثمة منغصا يقف وراءها فقدان الأمان مما ينتشر من دسائس تدمر المجتمعات من مخدرات وسلوكيات التحرش التي تُسوّق للأطفال من خلال أطفال مثلهم، هم أيضا ضحايا أولية  لامتداد هذا الدمار، والقدوات المصدرة لأطفالنا من مشاهير كاللاعبين والمغنيين وغيرهم، وهم لا يمثلون القدوات الحاملة للقيم الصحيحة.

حين نرى ما وصلنا إليه من تقدُّم تقني في القنوات الفضائية والهواتف النقالة وبرامج الألعاب والتواصل الاجتماعي، رغم ما تحمله من إيجابية، ننظر إلى فقدان الأمان معها لترك شبابنا معها، يجولون في ربوعها، مهما قدمت لهم التربية والرقابة، ربما لجهل بعض الأهل -ممن في سن متقدمة- بما يعرفه الشباب عن كيفية استخدام تلك التقنية، وكم من وقت مهدور عليها يبدد طاقات شبابية لو وجهت في عمل غيره لحققت المعجزات.

حتى الغذاء الذي لا يمكن أن نستغني عنه، أصبح يفتقد معنى الأمان، فكل يوم يُشاع عن إفساد أنواع من الطعام السائد في محلات كبرى يستهلك منها معظم الناس، وسلع ضرورية للاستهلاك، وكثير من غذاء الأطفال والمنتجات الخاصة بهم، حتى إننا ما عدنا نثق بكلمة "ذبح بالطريقة الإسلامية"، ونتوجس من إعادة كتابة تاريخ الانتهاء على المنتجات.

أيشعُر الإنسان بكل هذا القلق في الحياة المعاصرة، التي ربما يعتقد أجدادنا وآباؤنا الذين عاشوا في فترات زمنية سابقة لم تكن تحتوي كل هذه المتغيرات، يعتقدون أن زمننا هذا هو زمن الراحة والرفاهية، ولكننا وسط كل هذا القلق، وعبر هذه الظلمة دائما ما نستشغر بأن النور لابد أن يكون بنهاية المخرج، أو في فوهة ما عبر المسار الحالي، ربما يُبث الصلاح في الأرواح القادمة لتشعل النور باسم الأمة، وحين تكون لنا القيادة، سنكون الأقوى في كل شيء، حينها ربما سنجد الأمان بيننا وفينا، ونحن نتجه إليه.