حصص الاحتياط.. عبء ثقيل أم وقت ثمين؟! (1)

 

 

عيسى الرَّواحي

 

قال لي: إنَّ أسوأ ما كُنت أعانيه يوم كنت إداريًّا هو توزيع حصص الاحتياط على المعلمين، وهو من أبرز الأسباب التي جعلتني أترك الإدارة المدرسية.

وتذكرتُ بعد قوله هذا مشاهد عدة في مدارس مختلفة من الخلاف والاختلاف والشد والجذب والرفض والإصرار حول هذه القضية المدرسية بين الإدارة والمعلمين، أو بين المعلمين أنفسهم، بل قلَّ أن يكون هناك اجتماع عام يجمع الإدارة بمعلميها إلا وتُثار قضية حصص الاحتياط، وما يتعلق بها، ويكثر فيها الأخذ والرد.

وحصص الاحتياط اليومية يقصد بها حصص المعلمين الغائبين ذلك اليوم، ويقتضي أن يشغلها معلمون آخرون، وهي بذلك تختلف من يوم لآخر ومن مدرسة إلى أخرى، ومما يؤسف له حقا أن تسجل مدارس كثيرة ارتفاعا كبيرا ونسبة عالية في حصص الاحتياط اليومية؛ مما يشير بكل وضوح إلى انخفاض أو تدني انتظام العمل داخل تلك المدارس، وهو ما تشير إليه الإحصائيات التي تقوم بها الوزارة بين الفترة والأخرى، وهذا بلا ريب يؤثر سلبا على مستويات الطلاب التحصيلية، ويهضم حقهم في التعليم، خاصة في حال زادت نسبة هذه الحصص، ولم تستغل فيما ينفع الطلاب.

إنَّ ارتفاع نسبة حصص الاحتياط هو ما تعانيه كثير من المدارس، ولا يمكن الحد من هذه الظاهرة إلا بتأدية إدارات المدارس واجبها في هذا الشأن بكل أمانة وشفافية؛ وذلك برفع حالات الغياب بشكل منتظم مستمر، وبشتى أسبابها إلى الجهات المعنية، وعلى الجهات المعنية في الوزارة أن تتخذ الإجراءات اللازمة تجاه حالات الغياب المتكررة من غير أعذار مقبولة دون التهاون مع المقصرين؛ فكلما زاد التهاون والتساهل في تطبيق القانون تجاه المقصرين زاد التسيب والإهمال من قبلهم.

كما ينبغي للجهات المعنية توفير البدائل من المعلمين في حال امتداد فترة الغياب؛ لأي أسباب كانت سواء مقبولة كالأسباب المرضية أو غير مقبولة، ومما هو معلوم فإنَّ المعلمات أكثر عرضة للغياب عن العمل؛ لوضعهن الخاص وما تمر به المرأة من أسباب عدة يعلمها الجميع؛ لذا فإن إدارات مدارس الإناث يواجهن تحديا أكبر مع قضية حصص الاحتياط؛ لذا فإنَّ توفير المعلمات  بالأجر اليومي في حالات الغياب الطويلة يظل ضرورة لا مناص منها.

والمرء بطبيعة الحال تعتريه الظروف والأحوال، وتنتابه الأمراض والأسقام، وتضطره أوضاع الحياة المختلفة إلى الغياب عن العمل، وحينها يكون العذر مقبولا، ولكن مما يؤسف له أن تنتشر بين أوسط العاملين في شتى المؤسسات الحكومية المختلفة الأعذار غير المقبولة، أو إيجاد أعذار بعيدة عن المصداقية، وسواء كان سبب غياب المعلم لعذر أم غير عذر، فإنَّ الخاسر هو الطالب، فيما يتحمل المعلمون المنتظمون مسؤولية سد حصص الاحتياط لزملائهم المعلمين الغائبين، وهذا في حد ذاته يشكل عبئا إضافيا عليهم.

وكما أشرتُ آنفا فإن حصص الاحتياط تتفاوت من مدرسة لأخرى ومن يوم لآخر، كما تختلف طرق توزيعها من مدرسة إلى مدرسة، ومن حيث المهام الوظيفية فإنَّ توزيع حصص الاحتياط من مهام مساعد مدير المدرسة، وقد يُوكل مساعد المدير هذه المهمة إلى المعلمين الأوائل، ولكن مما لا بد منه أن يتم توزيعها على المعلمين، وتحمُّل مسؤولية حضورها داخل الفصل الدراسي.

وقد يرفُض بعض المعلمين أخذ حصص احتياط عندما تتكرر حالات الغياب لمعلم معين لأسباب غير مقبولة، ويرون أنهم غير مسؤولين عن تحمل تبعات المعلمين المقصرين والمتهاونين في أداء رسالتهم، وهنا نؤكد أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه هذه الحالات من الغياب.

ومهما تكن أسباب الغياب؛ فإنَّ الاهتمام بحصص الاحتياط وتوزيعها أمر لابد منها، ومتابعة الطلاب في تلك الحصص ضرورة حتمية وواجب يجب أداؤه على أكمل جه؛ فعدم توزيع هذه الحصص، وعدم الاهتمام بحضورها قد يؤدي إلى إشكالات عدة، وتنتج عنها مشكلات مدرسية متعددة؛ فترك الطلاب داخل الفصل المدرسي دون وجود مدرس قد يؤدي إلى تخريب مرافق الفصل، كما قد يؤدي إلى المشاجرة بين الطلاب وارتكاب سلوكات غير مقبولة فيما بينهم، إضافة إلى ما يثيرونه من فوضى وإزعاج للفصول المجاورة، وقد يصل الأمر إلى الهروب من المدرسة، وقد أشرت في أكثر من مناسبة إلى أن أكثر الفرص السانحة لتخريب المرافق المدرسية من قبل الطلاب؛ هو عدم حضور حصص الاحتياط وغياب المناوبة اليومية.

وتنتهج إدارات المدارس عدة طرق لتوزيع حصص الاحتياط؛ فقد يكون التوزيع بطريقة المواد بحيث يتحمل معلمو المادة الواحدة حصص زميلهم الغائب من نفس التخصص، وقد يكون التوزيع حسب الصفوف التي يشترك المعلمون في تدريسها، وقد يكون التوزيع حسب كثافة الحصص اليومية أو الأسبوعية التي يشغلها المعلم؛ فالأقل كثافة في عدد الحصص هو الأكثر نصيبا في أخذ حصص الاحتياط، وقد يكون التوزيع بوجوب أن يأخذ كل معلم نصابا محددا من الحصص في الشهر الواحد لا يحق له المعارضة عليه، وربما كان التوزيع بشكل عشوائي، وقد عايشنا ذلك في بعض المدارس، وفي جميع الأحوال تجد هناك من يرفض أخذ حصص الاحتياط، وهناك من يعترض على طريقة التوزيع، وهناك من يستاء كثيرا من حالات الغياب المتكررة لمعلمين محددين؛ مما يضطر حينها لرفض أخذ أي حصة احتياط لذلك المعلم، ولكننا نأمل أن تجد إدارة المدرسة الطريقة الأقرب إلى العدالة في توزيع هذه الحصص، مع النظر إلى الاعتبارات الأخرى التي يقوم بها المعلمون من أعمال غير حصص التدريس كالمناوبة وريادة الفصول والإشراف على الأنشطة التربوية.

ومما يُثير الاستياء في حالات الغياب الطويلة كالأعذار الطبية أو السفر خارج البلد كمرافقة مريض مثلا، هو عدم توزيع منهج المعلم على زملائه من نفس التخصص، أو عدم توفير معلم بديل؛ مما يظل معه الطلاب فترة طويلة من غير معلم للمادة التي يدرسونها.. هذا وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.