عيسى الرواحي
رغم ما حظيت به المرأة المسلمة من علو المنزلة، وجلالة القدر، ورفعة الشأن، فإنَّ أعداء الإسلام والمتلبسين بلبوسه، البعيدين عن جوهره ومضامينه، سعوا للتشكيك في ذلك، ولا يزالون ينظرون إلى أنَّ المرأة في الإسلام مُهانة الكرامة، مهضومة الحقوق، منقوصة القدر؛ جهلا منهم بحقائق الأمور، وطمعا في أنفسهم بتلبية رغباتهم الخسيسة وغرائزهم الشهوانية المنحطة؛ لينالوا من مكانة المرأة وقدرها، مستدلين في ذلك ببعض الأحكام الشرعية على حد زعمهم، ومن ضمنها هضم حقها في الميراث، والقيود المفروضة على لباسها وحريتها، وتعدد الزوجات الذي بحثته في كتاب "الصفيح الملتهب في تعدد الزوجات".
وكما أشرت، فإنَّ هذا الزعم يأتي من جهلهم بالإسلام وحقدهم على أتباعه، وطمعا في أنفسهم بما تحمله من أهواء وضلالات؛ فعلى المرأة المسلمة أن توقن ذلك جيدا، وتكون على حذر بالغ ووعي شديد بهذه الدعاوى الكاذبة والافتراءات المزيفة من قِبل أعداء الإسلام.
ففيما يخصُّ حقها في الميراث؛ فإنَّها قبل الإسلام لم يكن لها حق في الميراث قط، بل كان يُنظر إليها في بعض الديانات على أنها إرثٌ ومتاع يُباع ويورث، ولم تحظَ المرأة بحق الميراث إلا عندما جاء الإسلام.
وإذا كان هناك من ينظر إليها على أنَّها مهضومة الحقوق عندما تنال نصف ما يناله الرجل؛ فإنَّ في ذلك حِكمًا يعلمها الشارع الحكيم، وكلنا يعلم أن الرجل هو المسؤول عن تحمل الأعباء المالية والنفقات على شؤون الأسرة والبيت، ناهيك عن أن المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل في حالات مُحدَّدة فقط، وليس في جميع الأحوال، وقد عدَّها أهل العلم أربع حالات فقط، بينما توجد أكثر من ثلاثين حالة يتساوى فيها نصيب المرأة مع الرجل، أو ترث أكثر منه، أو ترث هي، وهو لا يرث.
وفيما يتعلق بالضوابط الموجبة على لباسها من لدن الشارع الحكيم، وأنَّ ذلك تقييدٌ لحريتها ورجعية متخلفة تحط من تقدمها ورقيها، فإنَّ الإسلام يريد للمرأة العفة والستر والحياء والعفاف والشرف الرفيع، والحفظ من العيون الخائنة والقلوب المريضة، فهي جوهرة مصونة ودرة ثمينة ذات قدر رفيع ومكانة سامقة، ولا يمكن أن يتحقق لها ذلك إذا ابتذلت نفسها، وحطت من قدرها، وجعلت جسدها عُرضة للطامعين فيها، ومتاعا بخسا لذوي الأهواء المريضة.
قَدرُ المرأة في الإسلام ليس في جمالها ونضارتها ورقة صوتها، كما هي الحال عند الأمم الكافرة والشعوب المنحطة التي جعلت من جسد المرأة متاعا وقت نضارتها وريعان شبابها؛ ليحققوا مآربهم وأطماعهم، وعندما يتقدم بها السن تصبح في أحيان كثيرة في دار العجزة والمسنين، وفي أحيان كثيرة لا يهتم بها من كان حولها ويتزلف إليها ويتوددها؛ فقد ذهب الجمال والنضارة فما عادت ذات قدر وقيمة ومكانة.
قَدرُ المرأة في الإسلام في روحها قبل جسدها، وفي عِفتها وحيائها وعلمها وخلقها مُذ كانت طفلة وإلى أن تغادر الحياة، بل كلما تقدم بها العمر وجب الاهتمام بها ورعايتها أكثر من ذي قبل، وزاد الحب والتقدير لها، وكثر من يرعاها ومن يقف حولها.
ومتى ما تمسكت المرأة بتعاليم دينها الحنيف، ارتفع قدرها وعظم شأنها وعلت مكانتها، ومتى ما تخلت عن هذه التعاليم، وانحرفت عنها خاصة فيما يخص عرضها وشرفها وحياءها؛ فإنَّها ستصبح بلا شك خسيسة القدر بائسة الحال معدومة المكانة، أقرب إلى البهيمية منها إلى الإنسانية، وإن بدا لها غير ذلك، وهذا ما يريده لها أعداؤها.
وللأسف الشديد البالغ، فقد تأثرت كثير من بنات المسلمين بدعاوى الغرب الكافر والمتلبسين بزي الإسلام والإسلام منهم براء، فما أكثر بنات المسلمين اللاتي تخلين عن تعاليم الإسلام! وما أكثر فتيات المسلمين اللاتي نزعن ثوب العفة والحياء والحشمة والستر، وصرن أشد تفسخا وانحطاطا من بنات أعداء الإسلام! وما أشد الخلاعة والميوعة والتبرج والسفور والمجون في المجتمعات الإسلامية!
لقد حقق أعداء الإسلام في المرأة المسلمة أهدافهم، ونالوا مبتغاهم، وهم ماضون قُدما في النيل من مكانتها وقيمتها التي أرادها الإسلام لها، وجعلها سافرة مبتذلة كل همها التبرج والزينة...وغيرها من المظاهر الخدّاعة، وهذا ما يثبته الواقع المشاهد، والإحصائيات المتعلقة بقضايا المرأة في هذا الشأن. وعلى سبيل المثال، فإنَّ آخر إحصائية تشير إلى أنَّ المرأة العربية تنفق ما مقداره خمسة وعشرون مليار دولار سنويا لأغراض التبرج والتجميل، منها ستة مليارات وستمائة مليون دولار لبنات الخليج فقط!
رضيت كثير من بنات المسلمين أن يكون جسدها لحمًا رخيصًا يُعرض عبر الإعلانات التجارية والقنوات الفضائية، في مشاهد مزرية منحطة لا تمت للإسلام بصلة من قريب ولا بعيد، بل حتى المجتمعات الجاهلية تأبى ذلك أشد الإباء، فقد كانوا يدفنون بناتهم وهُنَّ على قيد الحياة خوفا مما قد يتلبسهن من العار؛ فإذا ببنات المسلمين يسلكن هذا الطريق من أوسع أبوابه وأسهل طرقه!
ومما يُؤسف له كثيرا أنَّ من بنات المسلمين من تنظر إلى تعاليم الإسلام المتعلقة بلباسها وسترها على أنَّه حريات شخصية، وإن وردت في الكتاب العزيز والسنة النبوية! ينظرن إلى هذه الضوابط الشرعية من منطلق أنَّها أمورٌ مُستحبة، فيؤجر متبعها ولا يُعاقب تاركها؛ لذا فقد زاد السفور والتبرج حتى صار سمة غالبة في مجتمع الفتيات، وهذه الدعاوى في حقيقة الأمر ما هي إلا اتباع للظنون الكاذبة وأهواء النفس والشيطان: "...إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى" (النجم: 23).
إنَّ المرأة المسلمة التي أكرمها الله تعالى بالعقل، وأنعم عليها بنعمة العلم والمعرفة، لها أن تختار إحدى طريقين لا ثالث لهما، فإما طريق الدعاوى المضللة التي يُراد بها السوء والفحشاء وهوى النفس، ويُكاد لها الدسائس والمصائب من أجل سلبها أغلى ما تملكه، وإما طريق الشرع الحنيف الذي يحفظ لها كرامتها وعفتها وعزتها وعرضها وشرفها، وإن هي اختارت الطريق الثاني فلابد أن يصدق قولها فعلها؛ فليس الإيمان تمتمات وكلمات وشعارات، وإنما ما وقَر في القلب وصدقه العمل، وليس لها أن تأخذ من شرع الله ما يناسبها، وتترك ما لا تهواه نفسها. نعم إن هي اختارت الطريق الذي ندعوها إليه بكل حب وصدق وإخلاص، فعليها أن تمتثل تعاليم ربها الواردة في الكتاب العزيز والسنة النبوية... وللحديث بقية في مقالنا المقبل بإذن الله تعالى.
issa808@moe.om