لماذا العبث بحياتنا ؟

 


 

الدكتور / واصل القعيطي

إن جل أخطائنا وعثراتنا تنتج من حسن النوايا وأن كثير من الخطايا وانتهاك المحرمات هو خطوات صغيرة، قد تتهاونها، لتكبر شيئا فشيئا وتجرك إلى مستنقع ما كنت ضانا يوما أن تمر بجانبه ، ودروس الحياة كثيرة في كل جوانبها،فمثلا في الحياة الزوجية تواجد صديقة بين زوجين، تقود إلي كشف الزوجة أسرار بيتها وعلاقتها بزوجها، خطوة خطوة، تصبح الصديقة ضيفا دائما بين الشريكين، خطوة خطوة، مرة خلوة، مرة حديثا، مرة تواصلا، لينسج خيوط العنكبوت ويهدم بيتا، ولا استثني من ذلك الرجل الصديق.. الثالوث المحرم.. أطفال يلعبون مع  أصدقاء وأقارب، وقد يكونون أخوة يملأون المكان، تهاون في اللبس والقرب والملامسة، خطوة خطوة، يغفل الأهل ويأمن الطفل ويكبر شيطان الغريزة، لتنتهك طفولة. هل تعلم أن أغلب حالات انتهاك الطفولة تأتي من أصدقاء وأقارب، وحتى من أهل يعيشون داخل دائرة الأمان بالنسبة للطفل؟!..تحب الفتاة بالشاب، ترغب فيه زوجا وشريك حياة، تتنازل شيئا فشيئا عن أحلام وحدود، يطلب المزيد طمعا لا حبا، فهو لص المشاعر، وتقدم المزيد جهلا وسذاجة لا وعيا وثقة، فهي مستجدية العاطفة، ليقع المحظور وينفض الشريك.. تستثقل كلمة «لا» أو تلغيها من قاموس يومك، تظن أن كلمة «نعم» هي جواز مرورك لكسب محبة وقبول الآخر، يوهمونك أنك دخلت دائرتهم، لتتنازل أكثر وأكثر مترنحا تحت وهم «الأهمية» لتحقق أهداف الجميع إلا أهدافك، لتبدأ دائرة لومهم على سلب أحلامك، فتلتفت حولك ولا تجد أحدا .. الكثير مما تقدمه لنا الحياة من دروس وعِبر تضاهي ما كتب وألِّف. قيم جميلة أساسها أن لكل علاقة إطارا ولكل تعامل حدودا، وخلط الأمور يفقدها رونقها بل قد يمزقها، فعبر متغيرات الحياة وظروفها تضعنا المواقف أمام اختيارين في أحيان كثيرة , أو ربما يكون أكثر من اختيار , سواء أكان ذلك في شأن عمل أو اثر أو علم أو في شأن حل لمشكلات أو حتى في شأن البحث عن استقرار حياة أو أمن ظروف ..ولاشك أن أحدنا يبحث عن الخير العميم , ويميل بطبيعته الإنسانية نحو الكسب الدائم سواء في الدنيا أو الآخرة , ولاشك أيضا أننا جميعا نبحث عن السعادة جاهدين, عبر سكينة وأمن وكفاية ومكانة كريمة , وحسن مآل وحال للأبناء والأهل والأقربين وغير ذلك مما هو معلوم .لكننا في اختياراتنا تلك قد تضغط علينا طبيعتنا البشرية ضغوطا مختلفة فتدفعنا نحو اختيارات نفعية مادية غير صائبة, وكثيرا ما تكون بعيدة عن رغبات القلوب الصالحة الرقيقة التقية النقية , ولا نستشعر جريرة ما فعلنا إلا بعد مرور الأيام , وربما بعد انقضاء السنين , فيصيبنا الندم وتعترينا الحسرة البالغة . ولو أن كل أحد منا بحث عن قلبه , وسأله عن مكان سكينته وراحته , وعن حيث يطمئن ويرضى ثم قرر أن يختاره لكان خيرا له أي خير , حتى لو كان بريقه أقل جاذبيه وأخفت ..إن هذا القرار قد يدعونا في أحيان إلى التنازل عن زينة وزخرف ومتاع , وربما مكانة وكسب , بل ربما يدفعنا ذلك القرار لتضحيات أكبر وأكبر , وربما يوجهنا نحو مشقة وتبعة ومسئولية , لأننا بحثنا عن مراد القلب المؤمن, واهتممنا بضميرنا الصالح , ورفضنا البريق الذي معه الكسب ، لكنه يجرنا نحو الأسفل والأدنى من شأن الدنيا ويربطنا بثقل الحياة ويمنعنا عن العلو والسمو المنوط بأهل المواقف العلية والقرارات السمية .إن جوانب الحياة وأضواءها قد تدعونا كثيرا نحو السعي والجهد للحاق بها , حيث الكسب الذي ربما نتوقعه , والغنيمة التي ربما ننتظرها , إلا أننا وللأسف نفقد أيامنا أثناء سعينا وتنفذ منا أحلامنا الحقيقية أثناء لهاثنا , وتضيع منا قلوبنا بينما نحن نعد مكاسب الغنيمة .إن الحياة لتفقد طعمها الصالح إذا لم يكن القلب في المكان الذي يرتاح فيه , حيث السكينة الإيمانية تصحب الإخلاص في العمل , والقناعة المباركة تحيط بالكسب مهما كان قليلا .إنك لن تجد أتعب ممن الدنيا أكبر همه وهو حريص بجهده وقوته على جمعها فيضع نفسه وقلبه تحت تصرفها , فيفتك بقلبه ويضر بنفسه سعيا وراء زخرفها فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة, ومن كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) من أنواع العذاب, إشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومقاساة معاداة أهلها كما قال بعض السلف: "من أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب", قال: ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث: هم لازم, وتعب دائم, وحسرة لا تنقضي؛ وذلك أن محبها لا ينال منها شيئًا إلا طمث نفسه إلى ما فوقه, كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان لابن آدم واديًا من ذهب لتمنى أن يكون له واديان, ولا يملا عين ابن آدم إلا التراب, ويتوب الله على من تاب) ، وقد ضرب الله سبحانه مثل الحياة الدنيا فقال سبحانه: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا } ذاك مثل الحياة الدنيا التي يتقاتل الناس عليها , فيهملون قلوبهم ويغفلون عما وراء أعمالهم إنها ماء ينزل فيختلط بنبات الأرض ويتركه هشيمًا تذروه الرياح, إنها لحظات يتصارع فيها الناس ويجهدون حيث ينشغلون عن آخرتهم وتعمير منتهاهم وسكينة قلوبهم , آيات تلقي في النفس معنى الرحيل وقلة الدنيا وهوانها. فالمال والبنون زينة الحياة, والإسلام لا ينهي عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات , ولكنه يعطيهما القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد , إنهما زينة ولكنهما ليسا قيمة, فما يجوز أن يوزن بهما الناس, ولا يجوز أن يقدروا على أساسهما في الحياة, إنما القيمة الحقة للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات. وإذا كان أمل الناس عادة يتعلق بالأموال والبنين والمناصب والمكاسب والكنوز والدور والقصور والشهرة والجاه , فإن الباقيات الصالحات خير ثوابًا وخير أملاً عندما تتعلق بها القلوب, ويناط بها الرجاء ويرتقب المؤمنون نتاجها وثمارها يوم الجزاء .. ودائما ما نردد في حياتنا اليومية سواء في الحالات الناجحة أو الحالات الفاشلة, فمن نجح قلنا: ساعدته الظروف, والآخر لم تساعده الظروف.والظروف على كل الأحوال بأيدينا أن نصنعها, فلماذا لا نصنع ظروفا مساعدة لما نريده ثم نزج بأنفسنا فيها ؟ . ومثل ما نبحث عن الظروف المساعدة نبحث أيضا عن الظروف المعوقة التي تحول دون تنفيذ العمل والوصول إلى النجاح. والظروف سواء المساعدة أو المعوقة هي واحدة , لأنها لا تخرج في مجملها عن قوة أو ضعف داخلي في رقابة النفس ومتابعتها ، وثقافة ومعارف وخبرات بنسب مختلفة أو موجودة أو معدومة ،ونظام للحياة يؤلف بين الشئون المختلفة واضح وصريح ،وتقييم ومحاسبة مستمرة للأداء بحيث يضمن الاستمرار والتحسين والاستزادة .. ولكي نتوصل إلى حل لهذه الإشكالية ينبغي علينا دائما أن نجدد في صنع الظروف واطرد تماما عبارات: الظروف أقوي مني , الظروف غلبتني , الظروف قهرتني , لا تستسلم واصنع ظروفا جديدة , لماذا ؟ لأن القديمة قد تجعلك تتراجع إلى الوراء ! فتتحول إلى عراقيل في طريقك, وللأسف أنت الذي اخترعتها, وبذلك فهذه الوقفة في الطريق هي التي تبعدك عن النجاح. وفي وسط الظروف المختلفة , حتي ولو كانت كما يقولون أحلك الظروف , أو كما يقول البعض : لدي ظروفي الخاصة , عليك أن تتجهز دائما بالمبادرات القوية , بالطبع التي توافق إمكاناتك , ولذلك أقول لك : المبادرات الممكنة , القابلة للتنفيذ والموافقة للواقع , ولبست المثالية أو الحالمة , التي سرعان ما تكون عائقا يدعو إلى الفشل والإخفاق واليأس والتوقف .. ننصحك بهدوء ابحث وادرس واسأل واقرأ وطالع واسمع , وكل ما تحسن به ظروفك بادر بتنفيذه , ما دام مستوفيا للشروط السابقة ..لا تنتظر أن يساعدك أحد, وإن ساعدك أحد فلا تتصور أن يستمر في مساعدتك ! , اصنع بيديك وبنفسك ومن أعصابك ودمك , ظروفا تساعدك وابتعد عن الاستسلام للظروف السيئة , وتجهز بالمبادرة الممكنة , وهذا أول الأسرار إذا أردت حقيقة أن تتغلب على عاداتك , مهما كانت ، وكثير هي قصص الناجحين الذين لم يستسلموا لظروف القاسية , وإنما واجهوها بصناعة ظروف جديدة , وهكذا أول التغلب على عاداتنا ومشاكلنا تبدأ من هذا الباب الذي يفتح لك الطريق إلى النجاح على مصراعيه . فكل لحظة, ربما سميت بلحظة لأنها تحظى بالجديد, فلماذا لا نتناغم مع الحركة الطبيعية للحياة ؟ ولماذا لا نكسب كل يوم جديدا ؟ ولماذا لا نحظى في كل لحظة بالجديد ؟ جرب وسترى كيف يطرد الجديد كل قديم مادام معوقا, فليس الرفض لمجرد أنه قديم, فكل قديم بروح جديدة فهو جديد.إذا اقتنعنا معا بما سبق , فلماذا يقبل بعضنا الاستثناء ؟ ولماذا يرضي بعضنا بالتنازل ؟ , إن التنازل يجر وراءه جيشا من التنازلات , والقبول بتنازل واحد يجعل حياتنا بعد ذلك كلها استثناء يبعدنا عن النجاح ! .فإذا بنا نقبل بكل تراجع ، ومن هنا تشتد علينا المصاعب ولا ندري ! وبهذا الأسلوب تغلبنا عاداتنا قم يقول بعضنا :لا أستطيع أن أتعلب عليها , لقد حاولت كثيرا ولكنها قوية وجارفة وطاغية ! , وما هذا إلا لقبول الاستثناء والرضا بالتنازل .. ولكي لا نبكي أو نتباكى فالسؤال الجاد الآن : كيف أتغلب على عاداتي ؟ وقد غلبتني واشتدت الظروف علي من كل جانب ؟! ليس الأمر مستحيلا والحل سهل جدا وبإمكانية كل واحد أن يفعله , دون مساعدة من أحد , أي بقدراتك وإمكاناتك التي وهبها الله إليك , اصنع سلسلة من النجاحات المستمرة , فلا شك أنك ناجح في أشياء تحبها ركز عليها واصنع منها نجاحات تشعرك بالثقة واللذة والمتعة , فإنها تساعدك علي الصمود أمام التحديات التي تواجهك , إنها تمنحك الحياة أمام الصعاب , مهما كانت في نظر الآخرين تافهة وضعيفة ومتواضعة , يكفي أنها تعطيك سر الصمود والتصدي , وتمنحك القوة على مواصلة النجاح الذي يبدأ من هذا الدرس بألا تقبل الاستثناء ولا ترضي بالتنازل ! وبذلك تتغلب على عاداتك , وتقودها إلى الأحسن والأرقى !! .والعادات الحسنة كثيرة فينا , ولكن يبدو أن العين أول ما تقع على المساوئ والعيوب , ولكن انظر إلى عاداتك بعين القلب فإنه يكتشف الحسنات ويلزمها وينميها , ولا عيب في تكرار هذه العادات الحسنة فكلما تحسنت وتكررت وواظبت عليها طردت العادات السيئة , وإن أردت أن تطردها إلى الأبد فباستطاعتك ذلك , فنحن في الحقيقة صناعة هذه العادات , ومنتج من هذه العادات , ومستقبلنا من ترسيخ هذه العادات , وحياتنا من صناعة عاداتنا , ولذلك كان التغلب على عاداتنا السيئة والسيطرة عليها وتغييرها أكبر عامل من عوامل النجاح , لأنها العدو الذي يواجهنا , أما الصديق فواجب علينا أن نطوره ونحسنه ونرفع من شأنه , بالتشجيع والتعزيز والتحميس . والتغلب على العادة يحتاج إلى شخصية قوية,  وبناء الشخصية القوية يعني طرد الضعف والعجز , فكلما كان التطوير والتحسين للعادة الحسنة , اختفت السيئة وللأبد ...