حاتم الطائي
تكتملُ في مُخيَّلة المواطن العُماني يومًا بعد آخر، ملامح الحكمة السامية والرؤى النيِّرة لمولانا حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- في الارتقاء بمقدِّرات هذا الوطن؛ إذْ إنَّ مباركة جلالته بتدشين وإطلاق العديد من المشاريع والمبادرات الوطنيَّة على امتداد هذه الأرض الغالية، تَضْمَن جميعها تحقيق الرفاه لأبناء عُمان، ومواصلة رحلة النماء والنهوض على أسس ومُرتكزات ووفق موجِّهات مُحكمة؛ تُؤهل السلطنة لحجز مِقْعَد في الصدارة تتفوَّق به على رُصفائها من جِهة، وتُزاحم به دُول العالم المتقدِّم من جهة أكثر تطلعًا وطموحًا.. وما انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ" سِوَى فيض من غيض توجيهات مُلهمة، راعتْ عُنصرَ التوقيت في إطلاق المشروع؛ ليتوسط عيدين عُمانيين خالصين: "يوم النهضة المباركة"، و"العيد الوطني المجيد"، لتكتمل به ملامحُ جدارية 46 عامًا من الإنجاز والعطاء؛ ويعطي أهمية بالغة للبرنامج ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل بما يصبُّ في صالح اكتمال عقد التنمية المستدامة، وتعزيز فرص التنويع الاقتصادي، بلعب دَوْر "حلقة الوصل" بين الإستراتيجيات الوطنية المختلفة، وتقديم منصة شراكة مستدامة بين القطاعين الحكومي والخاص خدمةً للمجتمع والوطن.
وبقراءة بعيدة قليلا عن سياق الخطوات التي تنطوي عليها فكرة البرنامج -والتي أُشبعت بحثاً على مدى الفترة الماضية- نُركز خلال تلك السطور على إشراقات الجانب الإيجابي في أهداف وموجِّهات البرنامج؛ باعتبارها مَوْردًا خصبا يُمكن التأسيس عليه في رحلة "صناعة الأمل"؛ وكآلية عمل تضمن تحقيق أهداف الخطة الخمسية التاسعة، وتصحيح أوجه القصور في بيئة الاقتصاد، والتغلب على العوائق التي تَحُوْل دون تحقيق أهداف التنويع والتنمية، وتعزِّز في المقابل فرصَ نمو اقتصادنا الوطني، بما في ذلك إجراء التعديلات اللازمة على القوانين واللوائح، وتحديد الأولويات، وتوفير التمويل اللازم للمشاريع، والاتفاق حول المهام والمسؤوليات ومواعيد الإنجاز، وصولاً إلى زيادة الناتج الإجمالي وتعزيز استثمارات رؤوس الأموال، وجعل القطاعات المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة بديلاً فاعلاً عن الاعتماد "شِبه الكلي" على النفط؛ إذ يعمل "تنفيذ" على صياغة آلية عمل واضحة المعالم وفق جدول زمني محدد، ومؤشرات لقياس الأداء، وتطوير سياسات التنمية الاجتماعية في إطار مُتكامل وشامل.
فالبرنامج في مرحلته الثانية -كمرحلة تالية لمرحلة تحديد التوجُّهات التي بدأ العمل فيها منذ بداية العام- يتَّسم بالكثير من الأهمية على مُستويات عِدَّة، ليس فقط لأن هذه المرحلة تشهد حوارات ومناقشات وطرح آراء حول تحويل هدف "التنويع" إلى خطط وبرامج وسياسات مُحدَّدة وفق أسس مدروسة وقابلة للتنفيذ، بعيدا عن التعميمات أو الإغراق في التمنِّي، حيث تهدف كذلك إلى إدارة ما يمكن تسميته بـ"حوار مجتمعي"، رفيع وموضوعي ومسؤول، يحقِّق قدرًا أكبر من التفاعل والالتقاء بين مُختلف الأطراف المعنية، وفق أفضل السبل الممكنة. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإنَّ المرحلة الحالية -بأسابيعها الستة- يُمكن أن تتمخَّض في النهاية عن خطوط وعناصر مُتفق عليها للسير ببرامج وخطط "التنويع" في القطاعات المختلفة بخُطى أسرع وأكثر قدرة على خدمة الوطن والمواطن، سيما في ظل ما نعيشه اليوم من تبعات أزمة انهيار أسعار النفط، والتي أوجدتْ بيئة جديدة لمواجهة هذه التحديات؛ تمثَّلت في تخفيض المصروفات الحكومية والاقتراض من الخارج للحد من التأثير علي السيولة المحلية، وإيجاد حلول اقتصادية فاعلة، والبحث عن شراكات حقيقية بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
وكواحدة من ضمانات نجاح البرنامج؛ فقد تمَّت صياغته بالاستفادة من خبرات وتجارب عالمية -على رأسها النموذج الماليزي الذي نجح -بعد تطبيقه- في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد بمقدار يتجاوز ثلاثة أضعاف بنهاية 2015، مقارنة بالعام 2010 عند بدء تنفيذ البرنامج- وهو ما يَضْمَن للسلطنة استفادةً قصوى من نتائج كل مرحلة في المرحلة التي تليها، من خلال التركيز على أولويات تشجيع الاستثمار، ووضع خطوات كفيلة بدعم قطاعات التنمية، وتحقيق كفاءة إنفاق تقوم على مصادر جديدة للدخل، وإشراك القطاع الخاص في خطط التنمية المستدامة، والاستفادة من مشاريع البنية الأساسية المتكاملة، وتمويل المشاريع الإنتاجية، وفق معايير تقييمية تعمل على تخصيص المشاريع المناسبة لمجموعات المستثمرين الأنسب لها، وتقييم جاذبية المشاريع بالنسبة للقطاع الخاص، والنظر في التعديلات على الأنظمة والسياسات المالية من أجل التسهيل وتبسيط الإجراءات، واقتراح وسائل جديدة لجذب واستقطاب استثمارات محلية وأجنبية جديدة؛ بما يضمن في النهاية توفير مزيدٍ من فرص العمل للباحثين من أبنائنا، وإيجاد سوق عمل مُنظَّم في بيئة عمل مستقرة تديره أيادٍ وطنية منتجة بمشاركة أطراف الإنتاج المختلفة.
وهو ما يُمكن تلخيصه جُملة وتفصيلاً في لفظة "التنويع الاقتصادي الجاد"، والذي بات خيارًا إستراتيجيًّا لا بديل عنه -يُنادى باستلهام تجاربه منذ فترة طويلة- للفِكَاك عن تبعات تذبذب أسعار النفط، خصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار ما تتوافر عليه عُمان من مُقوِّمات تؤهلها لضمان تحقيق الجهود الحكومية الحثيثة لأهدافَ التنمية المستدامة؛ والتي يجيء على رأسها: القيادة الواعية برؤاها بعيدة النظر، والموقع الجغرافي والإستراتيجي المتميز، والاستقرار السياسي والاجتماعي، والبنية الأساسية الحديثة، والتي تضمن لأمثال هذه الخطط والبرامج -حال تنفيذها بصورة ناجحة- تحقيق مزيد من الرخاء للمجتمع، والاستدامة في تحقيق نمو اقتصادي منافِس، وتحديث منطومة الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر دخله، وتحقيق توازن بين الإيرادات والنفقات، بما يهيِّئ الظروف لانطلاقة قوية، وبصورة جديدة، تنقل السلطنة إلى عصر الصناعات الثقيلة، وتحسين كفاءة الإنجاز ومد جسور التعاون والمشاركة بين كافة الجهات المعنية، بمسؤولية واعية كل حسب موقعه ودوره.. إنها باختصار صناعة واعدة، أسميتُها "صناعة الأمل".