وحان وقت.. "تنفيذ"

آمال الهرماسيَّة

المتأمِّل بعُمق لما تحمله رسالة "تنفيذ" في طياتها، مع اعتبار توقيتها المحكم، وآليات تنفيذها الحديثة، وأخذها بعين الاعتبار كلَّ الفئات المتخصِّصة وغير المتخصِّصة في دفع حركة التنمية والاقتصاد، أدرك أنَّ الحكومة والكوادر من مسؤولين ورجال فكر واقتصاد ليسوا بالغافلين ولا المتجاهلين لما تواجهه عُمان من أزمة اقتصادية عمَّت المنطقة، ووجب التصدي لها والوعي بتداعياتها وحيثياتها، وتضافر الجهود للخروج منها في أسرع الأوقات وأقصر السبل وأنجعها.

وإن عُدنا بذاكرتنا إلى تاريخ الأزمات الاقتصادية عبر التاريخ، لوجدناها تتكرَّر وإن اختلفت في بعض ظروفها وأشكالها، ولكنها تركتْ في كلِّ مرة عِبْرَة ودرسًا ثمينًا اتَّعظت منه الدول وزادها حيطة وذكاءً اقتصاديًّا وحنكة في التعامل مع الأزمات وتخطيها.

وأذكر هنا بعضَ هذه الأزمات لا حصرا، وإنما من باب التذكير:

زهرة التوليب التي تسبَّبت في أزمة اقتصادية للقوة العظمى "هولندا" في القرن السابع عشر (1635-1637)، حين دخلت هذه الزهرة لتصبح رمزًا للطبقة الراقية في وقت كانت فيه هولندا تعيش عصرها الذهبي، وقد بلغ سعر الزهرة وقتها أضعافا مضاعفة لدخل أي حرفي ماهر، فأدَّى هذا الهوس بالتجار وأصحاب المال للمضاربة بأموالهم وممتلكاتهم لشراء الزهرة التي بلغت ذروتها ومن ثمَّ انهيارها السريع؛ فكانت الخسائر بحجم المضاربات وأعلن التجار إفلاسهم، وتزعزع اقتصاد هولندا لفترة ليست بالهينة.

وفي العام 1882، كادت البورصة الفرنسية أن تقفل أبوابها بعد خسارة بنك لونيون جنرال الاستثماري، والذي جرَّ وراءه بورصتي باريس وليون، فما كان من البورصة إلا أنْ تقترض مبالغ خيالية من البنك المركزي الفرنسي مما زاد الطين بلة، وتضرر الاقتصاد الفرنسي، وشهد إحدى أشد أزماته عبر التاريخ.

أمَّا أزمة ما سُمِّي بـ"الكساد العظيم"، فهي تؤرخ لانهيار بورصة وول ستريت التي جاءت لتعلن الأزمة الاقتصادية في أوروبا بأكملها، بل في الاقتصاد العالمي برمته، ومآلها تلك الغفلة عن الطبقة المتوسطة في أمريكا التي كانتْ تعيش بالقروض لسد احتياجاتها وشراء الأسهم على غرار الطبقة المرفهة حينها، وفي خضم ارتفاع استهلاك الفرد الأمريكي، أدى رفع أسعار الفائدة إلى انهيار أسعار البورصة في 29 اكتوبر 1929، وبلغت خسائرها بذلك أكثر من 12%‏ في اليوم الواحد؛ مما حداها لإيقاف التداولات لسنوات عدة، كانت تلك أزمة لامست أطراف العالم ودُوِّنت بحروف من لهب.

وفي تاريخ ليس بالبعيد، شهدت الكويت إحدى أخطر أزماتها الاقتصادية حين تداول التجار أسهما ضمن شركات تم تأسيسها فيما بينهم، فتدفق الطامعون في الثراء لشراء هذه الأسهم والتي لم تكن مسجلة في سوق الأوراق المالية الكويتي، حتى وصلوا فعليا إلى بورصة الكويت التي انهارت بسبب التضخم، وسميت بـ"سوق المناخ الكويتي" في الفترة بين 1989-1982.

ولسنا لنذكر هذه الأزمات، ونغفل عن الأزمة العالمية التي دقت أجراسها سنة 2007؛ عندما وصل عدد البنوك المنهارة سنة 2008 إلى تسعة عشر بنكا، وكانت قد اندلعت بأزمة قروض الرهن العقاري ثم إلى البورصات وإلى شركات التأمين وتضرَّرت من ذلك الدول التي يرتبط اقتصادها بالاقتصاد الأمريكي، وكان لابد من وضع خطة إنقاذ عاجلة في عهد جورج بوش الابن، مأممين لعدد من شركات التأمين بهدف إنقاذ المصارف الأمريكية.

وإن عمَّقنا الإبحار والبحث، لنفدت المقولة "تعدَّدت الأسباب والأزمة واحدة"؛ فذاك من أمر الدول لا مناص ولا مفر منه؛ فذروة الرخاء مؤشر على انهيار منتظر، وسوء الأوضاع دليل أزمة غير متوقعة. وبالذكاء ودقة التخطيط والمهارة وحدها تتغلَّب الأمم على أزماتها، وكبواتها؛ فالأزمة الاقتصادية ليست إلا كبوة ناتجة عن غفلة وسوء تخطيط، ولنا في السلف المذكور خير مثال.

عُمان بقيادة حاميها وحكمة توجهاتها مدركة لهذه الأوضاع واعية لما يحيط بها، وبرنامج "تنفيذ" جاء ليؤكد ذلك؛ من خلال استقطاب أكبر عدد من الفئات المجتمعية في سيل من التوعية والشرح من خلال استعراض تجربة رائدة في عالم الاقتصاد ألا وهي التجربة الماليزية، وليست الحكمة أن تطبِّق مخارج الأزمة بحذافرها على أرض عُمان المباركة، ولكن الأزمات وإن لم تتطابق فهي تتشابه، وما كابدته دولة في تخطي أزمتها يُعتبر شعاعا للفهم والتدبر لدولة أخرى تمرُّ بحالة اقتصادية تدعو إلى التدارك وحسن التصرف؛ فمن اعتقد أنَّ الهدف من هذا البرنامج هو إسقاط تجربة جاهزة على أرض مُخالفة فهو لم يفقه من الأمر شيئا.

هذه البادرة تُعتبر استشرافا حقيقيا وواقعيا لفرص النجاة والخروج من الأزمة منتصرين، وهنا أسرد بعض أهداف البرنامج كما وردت:

- تسريع تنفيذ الخطط في مجال تعزيز التنويع الاقتصادي، وبذلك تخطي الخطوات غير المجدية والوصول إلى الغاية بخطى ثابتة وسريعة.

- الاستفادة من أفضل الممارسات الناجحة في التخطيط الاجتماعي والاقتصادي وتوظيف موازناتها في مشاريع ذات عوائد اقتصادية وقيمة مضافة، تضمن توفير فرص عمل دائمة للمواطنين.

- وضع خطة واضحة ومحكمة لزيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية في السلطنة، ولهذا الهدف نرفع القبعات عاليا، فلكم ناشدنا ذلك، وها نحن نعيه ونلتمس ضرورته.

شؤون الاقتصاد، ورفاهة الأوطان، ليسا بالأمر المكتسب، ولكنهما غاية تتضافر من أجلها السواعد الجادة والعقول النيرة مع القلوب المبصرة، هي جهود وهي تفان وهي تخطيط وتنفيذ، أفليس طالب العلى هو من سهر الليالي، فلنثبت جدارتنا وقوة عزيمتنا، ولنعمل ونفهم ونتدبر، ونبدع ونفكر، فعُمان درة أنجبت أشبالا تشبَّعت بأسمى المبادئ وعزة النفس واعتزاز الذات من أجل العيش الكريم.. فلك عُمان نشعل الطرقات أملا، ونحيي في النفوس آمالا، شعارنا في ذلك: "كلنا لعُمان، وعُمان عشقنا ما حيينا".

[email protected]