من يُحدد قوة الكتابة؟!

 

زينب بنت محمد الغريبية

 

يرفع القلم في كل المجتمعات في كافة المجالات، كل كاتب يكتب في مجال ما حسب تخصصه أحياناً، وأحيانًا في اهتمامه وقراءاته، فتظهر تبعاً لذلك مقالات شتّى في النقد الأدبي والسياسة والاجتماع والقضايا الوطنية والتعليم والاقتصاد وغيرها من المجالات، قد لا يتَّسع لذكرها هذا المقام لمحدودية الزاوية المتاحة. ويختلف كل كاتب في طرح مقاله وتعبيره، حسب رؤيته الكتابية والشريحة التي يستهدفها إن كان عامة النَّاس أم فئة متخصصة في ذلك المجال. وهذا يوجد في كل المجتمعات كما هو موجود في عمان.

 

يبدو طرح الموضوع إلى الآن طبيعياً بل ومن البديهيات، لكن الغريب في الموضوع ما يُكتب عن ضعف الكتابة في مجتمعنا، وعن بعدها عن قضايا المجتمع، وقربها من القضايا الشخصية لكل كاتب، وأن الكاتب العماني ضعيف في طرحه وبعيد عن القضايا الوطنية، يبدو أنَّ من يكتب مثل هذا الكلام لم يطلع على كافة ما يكتب في الساحة العمانية.

 

كل كاتب له أسلوبه، وإذا بدأ بقضية عايشها ولكنها ليست بالنادرة بل هي تمثل جزءًا من الوضع السائد، لينتقل منها إلى الوضع العام ومسبباتها ويطرح الحلول ووجهة نظره فيها، لا يعني ذلك أنّه كتب في أشياء شخصية، ولا أود الإشارة إلى أسماء مميزة في سماء الكتابة العُمانية ممن تميزوا بطرح القضايا في مجالات مختلفة، لهم قراؤهم، بسبب قوة قلمهم، فجميعنا يعرفهم ويُتابعهم.

 

يكفي الكاتب العُماني هجومًا واستنقاصًا، فهو يمثل الواجهة الثقافية للبلاد، وفيهم أقلام رائعة، تضاهي غيرها العربية بل والعالمية، وهذا ليس بالجديد على العماني، فقد نبغ واجتهد عبر العصور، وحقق حضارة معرفية وعلمية وحضارية.

 

يحوم النقد حول الكاتب العُماني، فإن كتب في القضايا الوطنية ناقدًا للواقع ومستعرضًا اقتراحات للتطوير؛ اتهم بأنّه غير وطني، ويؤلب الرأي العام، وإن كتب مادحًا ومستبشرًا بما يجري، قيل إنه مطبل، ويستجدي راجياً وضعاً أفضل، وإن ابتعد ليكتب في شؤون مجتمعية وعلمية أو تخصصية أخرى قيل إنه بعيد عن الشأن العام، ويهتم بقضايا لا تهم المجتمع، فأين يذهب بنفسه؟! وما عساه يفعل؟!!.

 

يلحظ المتابع الحقيقي للتطور الكتابي أنّ الوقت الحالي يشهد ثراء حقيقيًا، ويعج بالفكر والتنوع فيه، وتوجد تيارات كتابية مختلفة في كافة المجالات، وبقربي من هذا الوضع كوني صاحبة دار نشر، أعايش الكثير من الأقلام الشابة والرصينة، التي تحتاج إلى الأخذ بيدها نحو بوابة النور، لا ينقصها الفكر ولا الموهبة، بل التشجيع هو ما يغيب عن مشهدها، كل ما يسمعه الكاتب الآن نقد في قوته ورصانته، وأنّه لا يرقى لمستوى الأقلام العربية وغيرها

والحقيقة التي لابد من الإعلان عنها بكل جرأة وقوة، أن القلم العماني له وجوده القوي، وله صداه في المجتمع، ولدينا من الأقلام ما تلاقي دعوات خارجية للمشاركة في دورياتها ومجلاتها العلمية والأدبية والثقافية الأخرى، وكلنا فخر بهم، وإن وجدت أقلام في بداياتها أو لها هفوات فلا يمكن تعميمها على المشهد العام للكتّاب العُمانيين.

وظهور كتّاب جُدد على الساحة، وإصدار كتاباتهم، لا يعني أنَّ النشر أصبح لمن هبَّ ودبَّ كما هو شائع، فلكل كاتب أياً كان مستواه أن يكتب وينشر، وهذه ظاهرة صحية في المجتمع، دليل على الحركة والنمو، ونتاج التعليم وحصاده، ومن بعدها يبقى القلم الأقوى ليبرز نفسه، ويستمر ويصنع من اسمه علماً. وهذا هو الوضع الطبيعي ولا يعني ضعف في الكتابة ولا في الأقلام.

لا تسمع لما يُقال أيها الكاتب، وامضِ قدمًا في تقديم ما لديك، فمن يمتلك الموهبة الحقيقية سيصل رغم كل المُحبطين، وأنت من تحدد هل أنت قوي كتابياً أم لا؟ فالبقاء سيكون للأفضل مهما حكمت القوة الساحة،  ولنصنع معًا عُمان مُفكرة.