نحو مذهبٍ (عالميّ) جديد..

إضاءة

 

مسعود الحمداني

نحن بحاجةٍ إلى مذهبٍ (إسلاميّ) جديد، يجمع الأمة، ولا يُفرّقها، مذهبٍ مُتسامح، لا يكفّر أحدًا، ولا يحتكر الحقيقة والحق لنفسه، مذهبٍ يتعرّف على الوجه الجميل للإسلام الذي شوهه أتباعه، ينبذ العنف، والتطرف، والإرهاب، ويدعو إلى وحدانية الرب، وحق البشر في الحياة، يُعيد قراءة التاريخ دون تعنت، أو انحياز، يفسّر القرآن بعيداً عن الأحكام المسبقة، ويضبط الأحاديث الصحيحة ويتخلص من كم الأحاديث الموضوعة التي يستغل بها بعض علماء المذاهب ـ بسوء نية ـ أتباعهم من العامة.

باب الاجتهاد لم يُسد، والعلماء الأجلاء والراسخون في العلم لم يفنوا بعد، ومن جهل الأمة أن تتبع رجلاًاجتهد في ظروف معينة ومات من مئات السنين، وتسير على آرائه وأفكاره سير الأعمى، دون تجديد، ودون إحكامٍ لعقل، وكأن فتاواه قرآن مُنزل لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وكأنّه النبي المرسل وما سواه من العلماء المجتهدين ما هم إلا ضالين، مُضلّين، أو أن كل ما جاء به غيرهلا يتَّفق والعقيدة الصحيحة التي يؤمنون بها، حيث تعتقد كل فرقة أنّها الناجية، وما سواها في النّار.

حان الوقت لتجديد الفكر الإسلامي، وأن يجتمع العلماء لا ليوفقوا و(يرقعوا) الشق الذي صار كبيراً على الراتق، ولا لينادوا بـ (التعايش) بين المذاهب، فهذه الدعوات ما عادت صالحة لعصرٍ كُثر فيه الهرج والمرج بسبب قهرٍ مذهبي يلغي كل فكرٍ مخالف له،وهو على ما يبدو أحد أسباب الغلوّ والتطرف والعنف الحاصل الآن، بل على العلماء أن يجتمعوا دون أفكارٍ أو مذاهب مُسبقة، وأن يبنوا بنيانهم على الإسلام الحي الصالح لكل زمانٍ ومكانٍ، دون تحيّز لفئةٍ دون فئة، أو لصحابيّ دون صحابي، وأن يؤسسوا لـ (مذهب إسلاميّ عالمي) يُنقذ الأمة من جهل العامة، ويأخذ بيدها بعيدًا عن استغلال كثير من العلماء لأتباعهم بما يزرعونه في نفوسهم من تطرفٍ، وغلوّ، وعنفٍ طائفي، ومذهبي، ويعتاشون من خلال فتاواهم على جهل مُريديهم، وانقيادهم الأعمى لتفسيراتهم الضيقة للقرآن والأحاديث والسنّة والتي تخدم مصالحهم ونفوذهم، وتبقي على مكانتهم الاجتماعية والدينية في نفوس تابعيهم.

 (اختلاف العلماء رحمة) .. هذه القاعدة قد تكون صحيحة حين يحترم هؤلاء العلماء أفكار واجتهادات غيرهم، ويؤمنون بمبدأ الاختلاف أصلاً، ويتمسكون بشكل عملي بحق كل البشر في الحياة، أما أن يكون أول اختلاف العلماء نقمة، وآخره تكفير وإباحة دماء مخالفيهم، فذلك هو الجهل البغيض الذي تدفع الأمة ثمنه باهظًا حالياًمن دماء أبنائها الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة ولا ذنب لهم إلا أنّهم وجدوا علماء مذهبهم على ملّةٍ وهم على آثارهم مُقتدون.

إن نظرةً على خارطة العالم الإسلامي تُظهر أن الاقتتال والاحتراب بين المُسلمين سببه الرئيسي هو أفكار المذاهب المُتشددة، واستعداد معتنقيها لبذل الغالي والنفيس لقتل كل مخالف لهم، وتكفير كل طائفة لا تؤمن بما يؤمنون به، وأن المذاهب المتطرفة هي الجمر النائم تحت الرماد، وما هذا القتل على الهوية والمذهب الحاصل في العراق، وسوريا، وباكستان، وغيرها إلا نتاج لأفكار علماء متطرفين قرأوا الإسلام من زاوية أنّه (دين صالح لكل زمان ومكان) فوقف فكرهم عند زمنٍ معين، دون أن يتقدَّم وعيهم خطوة واحدة نحو الحاضر والمُستقبل، لدرجة أنّهم وجدوا أنّ تطبيق حد القتل بالسيف أو السكين هو الأصل الذي يجب أن يُحافظوا عليه، ووجدوا في نساء الأديان والمذاهب الأخرى (سبايا) يجب الاستمتاع بهن لأنّ أسلافهم فعلوا ذلك، وهم يُقلدونهم، حتى لو اختلف العصر والفكر والظرف، وأن قتل أتباع المذاهب المخالفة في مساجدهم هي الطريق الموصل للحور العين!!.

يجب أن تُعاد صياغة وتجديد (الفكر الإسلامي) على أساس هدم جميع الأفكار المسبقة الموروثة لعلماء المذاهب، ومصادرهم، وأن يُعمِل (علماء العصر) العقل النقدي للوصول إلى أول طريق (المذهب الواحد)بتجرّدٍ وحيادٍ وموضوعية، دون أن يمنع ذلك تعدد الآراء ضمن المذهب الأم، وأن يقف هؤلاء العلماء ليصنعوا مستقبل الأمة من خلال نبذ كل ما يُفرّق المُسلمين، ويهدر دمهم وكرامتهم باسم الدين، وبناء فكرٍ جديد ومُتجدد يستطيع إنقاذ المسلمين من المستنقع الذي أوقعهم فيه علماؤهم ومذاهبهم الغابرة.

 

Samawat2004@live.com