السلم الأهلي الإلكتروني 1/2

 

 

 

عبيدلي العبيدلي

في آخر تحديث، لموقعها الإلكتروني، يوم الأحد 03/07/2016، نقل موقع (France 24   العربي) إدلاء مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بشهادتها الطوعية في مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي “بشأن استخدامها لبريدها الإلكتروني لمراسلات رسمية سرية".  وكان قد سبق لصحيفة "التايمز الأمريكية" أن كشفت في مايو من العام 2015، أنه خلال " تولي هيلاري كلينتون لمنصب وزيرة للخارجية، كانت تستخدم حساب بريد إلكتروني خاص بدلاً من حساب تابع للحكومة الأمريكية". وقد أثارت هذه القصة حينها، كما تقول التايمز "جدلاً كبيراً لاحتمال تعرض السجلات الفيدرالية في الولايات المتحدة للخطر جراء هذا التصرف". وكما تضيف الصحيفة فقد "أثارت هذه القصة الكثير من الجلبة حول المخاطر الأمنية التي قد تكون هيلاري كلينتون قد أثرت بها على الأمن القومي الأمريكي خصوصاً إن كانت تستخدم حساباً غير مشفر".

على نحو مواز حذر بعض الخبراء ورجال دين ومحامين من التحولات الخطيرة التي باتت تسود الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت، حسب ما يراه هؤلاء إلى "منبر للقذف والشتم، مؤكدين أن هذه التصرفات التي ترتكب عبرها تمثل جريمة يعاقب عليها القانون".

في الوقت ذاته، وكما يجمع الكثير من الخبراء العسكريين " أصبحت معارك الحصول على السيطرة الجوية واستخدام أحدث أنواع أجهزة الإعاقة الإلكترونية أهم سمات الصراع المسلح في العصر الحديث ". وكما يبدو فقد تزايدت "أهمية دور ومكان وسائل الحرب الإلكترونية في معركة الأسلحة المشتركة الحديثة حيث ثبت في العمليات العسكرية الحديثة أن الطرف الذي يجيد استخدام وسائل عناصر الحرب الإلكترونية بكفاءة لتحقيق السيطرة الإلكترونية على مسرح العمليات سيكون هو القادر على تحقيق النصر الحاسم ". وبخلاف ما يعتقد البعض لم تعد الحروب الالكترونية مقتصرة على "اختراق المواقع الحساسة والشركات، (فحسب، بل تطورت حتى أصبحت) مجموعة من الإجراءات الإلكترونية يتم استخدامها للتصدي للعدو ومنافسة معداته الحربية المختلفة لمنع العدو من استغلاله للمجال الكهرومغناطيسي".

كل هذه الظواهر وأخرى غيرها في نطاق تنامي ولوج المجتمعات البشرية ما أصبح يعرف بالفضاء الافتراضي تقودنا نحو القبول بتشكل مجتمع جديد يتماهى مع المجتمعات التقليدية، له قوانين الخاصة، ويمارس فيه أفراده سلوكيات خاصة بهم تنبع من خصائص هذا المجتمع، وتتولد وفقا لقنوات تواصله. هذا المجتمع الافتراضي لم يعد مفهوما مجردا يتخيله بعض الفلاسفة أو المفكرين، بل بات حقيقة ملموسة تفرض نفسها علينا، فهو كما تقول عنه الباحثة إيمان بن دعدوش " أصبح ذا عمومية وانتشار، ليس على المستوى والتحليلات العلمية، ولكن أصبح مفهوما متداولا عن العديد من المستخدمين لشبكة الإنترنت. ويرجع المفهوم إلى (هاوارد رينجولد) الذي وضع الكتاب الرائد في هذا السياق بعنوان المجتمع الافتراضي".

وكأي مجتمع أخر، رعوي أو زراعي أو صناعي، ترافق مع تكون هذا المجتمع الافتراضي جرائمه الخاصة به التي تتميز عن سواها من جرائم المجتمعات الأخرى. فظهر مفهوم الجريمة الالكترونية  (Cybercrime) ، التي تعرفها الباحثة إيمان الحياري بأنها " عمل أو نشاط غير قانوني، يقوم بها مجموعة من الأفراد يُطلق عليهم مسمى (القراصنة)، ويكون هذا الانتهاك غير الأخلاقي لغايات محدّدة، قد تكون ماديّة أو معنويّة وإلحاق الخسارة المؤكّدة بالضحية، ويكون هذا النوع من الجرائم عبر الشبكات الحاسوبيّة، وتعتمد هذه الجرائم على اختراق أمن المعلومات الإلكترونيّة وتدميرها وإلحاق الضرر بها، وتحمل الجرائم الإلكترونيّة عدة مسميات من أبرزها: الجريمة السايبرية  (Cybercrime) ، وجريمة التقنيات العالية (Hi-tech Crime) وجرائم الحاسوب والإنترنت ، (Computer Crime) ".

 

وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الجرائم، كما شاهدناها في المجتمعات التقليدية، لم  تعد مقتصرة  على أفراد أو مجموعات، ومن ثم فهي محصورة في نطاق امكانياتهم، بل اتسع ذلك النطاق حتى بات يشمل دولا تمارس، كما ينقل موقع فضائية "الجزيرة" الالكتروني "التجسس الإلكتروني (وأبرز أمثلته ما كشفته تسريبات المتعاقد السابق مع وكالة الأمن الوطني الأميركي إدوارد سنودن، الذي كشف مخططات أميركية عديدة للتجسس ليس على الأفراد فحسب بل على اتصالات دول أخرى)، والسرقة المالية، وغيرها من الجرائم العابرة للحدود".

وتماما كما عرفنا في المجتمعات التقليدية أساليب وقوانين مكافحة الجرائم والحروب، الصغيرة المحدودة، أو الكبيرة الشاسعة، كذلك نشهد اليوم وسائل افتراضية وتقليدية أيضا للحد من انتشار الجريمة الالكترونية، واندلاع الحروب الافتراضية، من خلال وضع السياسات، وفرض العقوبات بالاعتماد "على أساليب وتقنيات متطوّرة؛ للتمكن من الكشف عن هوية مرتكب الجريمة والاستدلال عليه بأقل وقت ممكن. توعية الأفراد ونصحهم لماهية الجرائم الإلكترونية وكل ما يترتب عليها من مخاطر".

وعلى النحو الذي دفع الانسان عندما تبلورت مجتمعاته التقليدية، إلى البحث عن وسائل يحقق فيها استتباب السلام في تلك المجتمعات، وهو ما أصبح يطلق عليه "السلم الاجتماعي"، أو "السلم الأهلي"، كذلك بتنا نلمس تنامي الحاجة إلى ما يمكن أن نطلق عليه "السلم الاجتماعي، أو الأهلي الإلكتروني".

وإذا كان المقصود بالأول في المجتمعات التقليدية هو "حالة السلم والوئام داخل المجتمع نفسه، وفي العلاقة بين شرائحه وقواه (القادرة على توفير) الأمن والاستقرار في المجتمع، (حينما تفقد) حالة السلم الاجتماعي أو تضعف"، فإن السلم الأهلي الالكتروني، الذي ما يزال، شأنه شأن المجتمعات الافتراضية في مرحل تعريفه الجنينية، بحاجة إلى التأصيل كي يكون قادرا على معالجة الظواهر السلبية التي بلغ البعض منها مستوى الجريمة، التي أفرزها التطور الطبيعي والمجتمعي للمجتمعات الافتراضية.