ربيع الغرب يحاصر روسيا ويداهم أمريكا اللاتينية (1- 2)

علي بن مسعود المعشني

عقيدة الصدمة:

استراتيجيات فرض رأسمالية الكوارث بعد الانقلابات العسكرية أو الأزمات والكوارث الطبيعية أو المفتعلة كما سُمي بالربيع العربي وأمثاله.

في كتاب "عقيدة الصدمة صعود رأسمالية الكوارث" تقوِّض نعومي كلاين أسطورة انتصار اقتصاد السوق الحرة عالميًا بطريقة ديمقراطية، وتكشف أفكار ومسارات المال، وخيوط تحريك الدمى وراء أزمات وحروب غيّرت العالم في العقود الأربعة الأخيرة. تفصّل المؤلفة - وهي صحافية كندية مناهضة للعولمة ألّفت بعض أكثر الكتب مبيعًا- كيف تمكنت سياسات "السوق الحرة" الأمريكية من الهيمنة على العالم، باستغلال شعوب وبلاد صدمتها الكوارث. وتتعقب التطبيق العملي لهذه الأفكار خلال تاريخنا المعاصر مبينة أنّ أحداثًا معروفة كانت مسارح متعمدة نشِطة لـ"مبدأ الصدمة"، منها: انقلاب بينوشيه في تشيلي (1973)؛ وحرب جزر فوكلاند (1982)؛ ومذبحة ميدان السلام السماوي ببكين"تيان أن مين" (1989)؛ وانهيار الاتحاد السوفيتي (1991)؛ والأزمة المالية الآسيوية (1997)؛ وإعصار ميتش (1998)؛ وغزو العراق (2003)؛ وكارثة تسونامي (2004)؛ وإعصار كاترينا (2005) . "مبدأ الصدمة" هو رؤية طموحة للتاريخ الاقتصادي في الخمسين عامًا الماضية، ولصعود أصولية السوق الحرة. إن نظام "رأسمالية الكوارث" عنيف ويتطلب الإرهاب أحيانًا ليقوم بعمله؛ فقد مهدت الأزمة المالية الآسيوية (1997) الطريق أمام صندوق النقد الدولي لفرض برامج بالمنطقة وبيع شركات حكومية لبنوك أجنبية وشركات متعددة الجنسيات. كما أتاحت كارثة تسونامي لحكومة سريلانكا طرد الصيادين من قراهم الساحلية لبيعها لشركات الاستثمار الفندقي، وأتاح دمار 11 سبتمبر/أيلول 2001 لجورج بوش شنّ حرب تهدف لإنتاج سوق حرة بالعراق.

يؤكد الكتاب أنّ السياسات الإقتصادية النيوليبرالية: الخصخصة، وتحرير التجارة، وخفض الإنفاق الاجتماعي؛ التي فرضتها مدرسة شيكاغو - ومنظّرها ميلتون فريدمان- عالميًا كانت سياسات كارثية. ولأن نتائجها وخيمة وتؤدي للكساد وتفاقم الفقر، ونهب الشركات الخاصة للمال العام ، فإن وسائلها كارثية تعتمد الإضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية والذرائع القسرية لتمرير "إصلاحات" السوق الحرة المرفوضة شعبيًا. تؤرخ كلاين لهذه الكوارث، التي تتضمن برامج لمدرسة شيكاغو أطلقتها انقلابات عسكرية بأمريكا الجنوبية؛ والبيع المعيب لاقتصاد الدولة في روسيا لقلّة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي كون الخصخصة في حقيقتها وصفة قاتلة للاقتصادات الناشئة والمجتمعات الفتية والمتطلعة للنمو والتمتع بثقافة الدولة الراعية الكريمة.

لابد لمن لم يعلم بمغازي الربيع الغربي ومساعي لوبي الرأسمالية المنفلتة من أتباع المحافظون الجدد ودعاة الحكومة العالمية ذات المرجعية والمنبت الصهيوني اليهودي المسيحي من قرآءة الكتاب أعلاه "عقيدة الصدمة" بالتفصيل ليعلم ماذا يُحاك للعالم من هؤلاء ثم يضع خارطة أحداث العالم أمامه ليتيقن من حقيقة مؤامرتهم الكونية الخطيرة.

مر الربيع الغربي على وطننا العربي فأسقط حكومات ممانعة ونُظم مقاومة ونشر الفوضى غير الخلاقة بُغية تفكيك الأوطان والعبث بمكوناتها ومقدراتها ثم تركها تتحلل تحت وطأة التخلف والإرهاب والفراغ الأمني وغياب الدولة حتى تصاب بالأجهاد المنظم الشديد وأعراضه وتستدعي الأستعمار وتستغيث بالأعداء والخصوم للتنعم بالغذاء والدواء فقط وتترك لهم الدولة والكرامة والسيادة والمقدرات يعبثون بها كيفما شاؤوا.

واليوم تهب رياح ربيع الغرب البائس الإجرامي لتحاصر روسيا الخصم الصاعد للغرب في مجاله الحيوي عبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق كجورجيا وأوكرانيا وكازاخستان وأذربيجان وغيرها، لاقلاق راحة وإستقرار الروس وكبح تمددهم وحيويتهم في بؤر نفوذ ومخططات الغرب وعلى رأسها الشرق الأوسط والأزمة السورية على وجه الدقة والتحديد.

لا يعلم الكثيرون أنّ نجاح مؤامرة الغرب على الصين عام 1989م فيما عُرف بأحداث ميدان تيان آن مين كان يعني انهيار الصين وتشظيها في مجالها الحيوي وإغراق جميع دول الجوار في تداعيات أزمتها من انهيارات اقتصادية وأزمات مالية وتدفق لاجئين ومجاعات وفقر مدقع نتيجة غياب الدولة المركزية في بكين. لهذا تعامل الصينيون معها بحزم استثنائي لقناعتهم بأنّ الغرب لم يسع يومًا للإصلاح خارج جغرافيته وأنّ الصين لاتُدار إلا وفق العقلية الصينية والنظام الشيوعي الصيني.

فالغرب في المقابل يؤرقه النموذج الصيني العملاق والذي تحقق وبدون ديمقراطية أو وصفات ليبرالية غربية، وبهذا دحض الصينيون أكبر كذبة في التاريخ روجها الغرب لتمرير مصالحه وتكريس تبعية الشعوب له وهي:" لا تنمية بلا ديمقراطية".

[email protected]