كيف نوجه تعليمنا لما هو أرقى

عبد الله العليان

من البديهيات المعروفة أنّ التعليم يعد الأساس في عصرنا الراهن لإقامة تنمية مستدامة وحقيقية، تسهم في تحقيق نهضة تعليمية ومهنية في كافة مجالات التنمية التي ننشدها، وتساهم في التَّقدم والتطور بصورة مضطردة في كافة المستويات، ولذلك فإنّ الكثير من الدول التي قطعت شوطاً كبيراً من التقدم في التكنولوجيا منذ عقود وأكثر، تحقق لها من خلال الاستثمار في التعليم نجاحات باهرة، عندما تأسس على مقومات علمية ومنهجية قوية، وصرفت على مجالات جودة التعليم في خططها المتعاقبة، وكان التركيز على خطط التعليم والتأهيل، مما حقق لها نجاحات كبيرة وبصورة مضطردة تدريجياً، وأصبحت يشار إليها بالبنان في التطور العلمي والتكنولوجيا، ونجحت بالتالي أن تقضي على مشكلات البطالة وقلة الخبرات في أبنائها، وهزمت التخلّف وتوابعه ومشكلاته في فترات قصيرة ولا تزال قضية التعليم وأزماته مقلقة في العديد من دول الوطن العربي، ويعزو البعض تركة هذه المشكلات في القرن العشرين، والتي انتقلت إلى هذا القرن، ومنها أن الجودة كانت ضعيفة في الفترة الماضية لأسباب اقتصادية وتخطيطية، فمع إدخال النظم الحديثة إلى التعليم في القرن الحادي والعشرين، والبعض الآخر يرى المشكلة في التطبيقات الجديدة وظروفها المختلفة، حيث برزت المُعوقات العديدة خاصة في نوعية التعليم وأدواته مع اقتصاديات السوق ومتطلباته في ظل العولمة، وترى الباحثة الدكتورة / محيا زيتون في كتابها (التعليم في الوطن العربي في ظل العولمة وثقافة السوق)، في ظل هذا الوضع، فإن تعليم المستقبل يستمد معالمه وخصائصه من التطور اللاحق في المحيط الاقتصادي وفي المجال المعرفي والتقني، كما أصبح مرتبطاً أيضاً بنظام عالمي جديد تتزايد فيه أهمية المنافسة في الأسواق العالمية كمعيار للتميّز. ويستعد العديد من الدول المُتقدمة وتلك الساعية إلى التَّقدم لمواجهة التحديات لتغُير وتطوّر أنظمة التعليم والبحث العلمي. واتجه بعضها إلى التكتلات الاقتصادية والسياسية لتتيح قدرات مادية وبشرية ضخمة، علاوة على مزايا تنسيق الأهداف والسياسات لمواجهة قوى العولمة الشرسة. وعلى الرغم من هذه الجوانب الإيجابية ـ كما تقول الدكتورة محيا ـ فإن ما تحقق في الوطن العربي ما زال محدود الأهمية وما زالت هناك آلاف المدارس في أماكن مُتعددة لا يوجد فيها خط هاتفي يسمح بإمكانية الاتصال بشبكة المعلومات الدولية، حتى في المدارس والجامعات الخاصة حيث يدفع الطلبة رسوماً باهظة، لم يبلغ بعد مستوى إتاحة الحاسوب الشخصي والاتصال بالشبكة معدلاً يتناسب مع عدد التلاميذ واحتياجات تدريبهم، ويبدو الإنجاز على مستوى الوطن العربي متواضعاً أيضاً إذا قيس بما حققته بعض البلدان النامية من تقدم ملحوظ في هذه المجالات .

وسادت أنظمة التعليم في الوطن العربي مظاهر سلبية أخرى تتنافى مع تطلعات المجتمع العربي للنهوض بالعلوم والتقنية وتطوير المؤسسات التعليمية، من أجل توافر المتطلبات الأساسية لهذه النهضة. وأهم هذه المظاهر وضوحاً هو التزايد الكبير في أعداد طلبة التعليم العالي المتخصصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية، مقابل الانخفاض في أعداد الطلبة في اختصاصات العلوم الأساسية والتطبيقية هذا في الوقت الذي تثبت فيه دراسات مختلفة أن نسبة الطلبة المتخصصين في الرياضيات والعلوم الهندسية هي التي ترتبط إيجابياً بمعدلات النمو الاقتصادي وهي الأكثر تحقيقاً بالتالي لعائد اجتماعي مرتفع لاستثمارات التعليم العالي. ولا يعني ذلك التقليل من شأن الدراسات الإنسانية والاجتماعية ومن أهميتها العلمية ومساهمتها في تقدم المجتمعات وتطورها، ولكن للأسف فإنّ توسع فرص التعليم العالي في هذه الاختصاصات تم على نحو مبالغ فيه ربما لتحقيق أغراض مالية محضة وليس لغرض خدمة أهداف ومتطلبات التنمية. إن الكثير من المجتمعات العربية التي حققت نمواً مرتفعاً للطلبة في هذه الاختصاصات فيما عدا دول الخليج الغنية، اقترن توسع نموها ببقاء الإمكانات المتاحة من أعضاء هيئة تدريس ومكتبات وحجرات دراسة وتجهيزات وخلافه، من دون تغير يذكر. وبمعنى آخر، أصبحت الدراسة في هذه المجالات مخزناً يتكدس فيه طلبة الجامعات، وتتباهى من خلاله بعض الحكومات بتحقيق معدلات مرتفعة للقيد في التعليم العالي. وللحديث بقية..

تعليق عبر الفيس بوك