مستقبل صناعة الاتصالات العربية على مشرحة "غبقة بتك" السنوية

عبيدلي العبيدلي

بحضور سعادة وزير المواصلات المهندس كمال بن أحمد، والرئيس التنفيذي لهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية محمد القائد ومشاركة ما لا يقل عن 30 مندوباً من شركات تقنية المعلومات والاتصالات، أقامت الجمعية العامة لشركات التقنية "بتك" غبقتها الرمضانية السنوية. كان المتحدث الرئيس في هذه الفعالية الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات شركة البحرين للاتصالات "بتلكو" إيهاب الحناوي. بخلاف توقعات الحضور التي اعتقدت أنّ كلمة الحناوي ستقتصر على تشخيص التحديات التي تواجهها "بتلكو"، ومن ثم استراتيجيتها التي ستعمل بها لمواجهة تلك التحديات التي هي إفراز طبيعي متوقع للتحولات التي باتت تشهدها صناعة الاتصالات، انطلق الحناوي من التحولات التي باتت تواجهها تلك الصناعة في السوق العالمية، والتي تفرضها مجموعة من العوامل من بين الأهم فيها التغيرات التي طرأت على سلوك المستخدم، وأصبحت جزءًا لا ينفصل عن الطلبات التي يتوقع أن يلبيها اللاعبون الأساسيون في هذه السوق.

توقف الحناوي، وهو ليس الوحيد ممن يعملون في هذه الصناعة التي باتت في غاية التعقيد، عند هذه التحديات التي يبدو أن نيرانها باتت تلسع اللاعبين الدوليين الأساسيين في هذه السوق مثل شركة "انتل" الأمريكية التي جاء على لسان نائب رئيسها عائشة إيفانز، أن الشركة مع مجموعة أخرى في القطاع تتضافر جهودها "لتساعد في وضع أسس تكنولوجيا الجيل الخامس لشبكات المحمول والأنظمة اللاسلكية، لتُمكن مُستخدميها من نقل بيانات أسرع وتكون أكثر ذكاء وكفاءة من غيرها، (كي تهيئ نفسها) للتحول إلى تطبيق واستخدام تكنولوجيا الجيل الخامس هو نقطة التلاقي بين صناعة الاتصالات والحوسبة وهو ما يُعد تحولا جوهريا لهذه الصناعة، لوضع الأساس الذي تُبنى عليه شبكات المستقبل التي تعمل بتكنولوجيا الجيل الخامس مما يقدم تجارب مثيرة تصبح ممكنة في المستقبل".

تشارك الحناوي هذه الرؤية الكاتبة تارا روجرز، التي تؤكد على ضرورة النظر في "بعض اتجاهات تحول الاتصالات، ليس في الشرق الأوسط وحده وإنّما في جميع أنحاء العالم، وذلك في وقت التغيير العميق في صناعة العلاقات العامة - من قنوات جديدة للاتصال إلى تكنولوجيا جديدة وتغيرات اجتماعية متنامية".

وفي سياق حديثه عن هذه التحولات وما تكتنفه من تحديات، توقف الحناوي عند محطتين رئيستين: الأولى هي ما أطلق عليه "أربع موجات شكلت مصادر الدخل الرئيسة لصناعة الاتصالات: الأولى كانت مرحلة الاتصالات الصوتية (الهاتف التقليدي)، الثانية كانت مرحلة الرسائل النصية القصيرة(SMS)، والثالثة هي مرحلة التوصيل والتشبيك(Connectivity)، أما الرابعة (التي تلوح ملامحها) فهي المئات من مصادر الدخل مثل المحفظة الجوالة(M-Wallet)، والمنازل الذكية والمحتوى الإلكتروني، ... إلخ"

أما الثانية فهي ما تفرضه تلك التحولات على شركات الاتصالات من ضرورات الاقتراب من شركات تقنية المعلومات، بما فيها تلك الصغيرة والمتوسطة، وعلى وجه الخصوص التي بحوزتها منتجات أو خدمات تحتضن ما يعرف في هذه السوق باسم "الملكية الفكرية". ويمكن أن يتم ذلك من وجهة نظر الحناوي عبر "ثلاث طرق: إما تطوير شركات داخل شركات الاتصالات ذاتها تتولى هذه المهمة، أو بناء شراكات مع شركات قائمة، أو الاستحواذ على البعض منها وفق مقاييس محددة".

وهنا عرج الحناوي، لكن بشكل مكثف وخاطف عند ما يعرف بالمنظومة البيئية أو النظام البيئي(Ecosystem)، وأصلها اللاتيني(Ecosystema)، والذي يعرف تاريخيا وتقليديا بأنه "أي مساحة طبيعية وما تحتويه من كائنات حية نباتية أو حيوانية أو مواد غير حية، البعض يعتبره الوحدة الرئيسية في علم البيئة". لكن النظام البيئي لدى الحناوي هو المنظومة البيئية في عالم الاتصالات التي تشمل دون أن تكون محصورة في "شركات الاتصالات، شركات تقنية المعلومات، واضعي السياسات، المصارف، الشركات الصغيرة والمتوسطة، بل وحتى المصارف، وآخرين".

وحذر الحناوي من أن هذا التحول ليس بالبعيد، كما يتصوره البعض منا. وعزز هذه الرؤية الاستشرافية بمجموعة من الإحصاءات الدقيقة التي تنبئ بهذا التحول، وتحث شركات الاتصالات على التهيؤ له. أثارت كلمة الحناوي مجموعة من التساؤلات في أذهان من حضر الفعالية.

الأول منها والأكثر أهمية هو ما مدى استيعاب صناع القرار العرب لهذا التحول في السوق العالمية؟ وفي حال إدراكهم لذلك، ما هي مؤشرات التهيؤ التي تدل على كفاءتهم لمواجهة هذه التحديات؟ يفرض هنا السؤال نفسه، في وقت ما تزال الاقتصادات العربية، بشكل عام، دع عنك شركات الاتصالات تتحكم فيها وتسيرها أو آليات الاقتصاد الريعي التي لم تصل بعد إلى صناعة الاتصالات المعاصرة، فما بالك بتلك المتقدمة التي يتنبأ بها الحناوي.

الثاني منها هي إذا افترضنا، ومن منطلقات التفكير الإيجابي والمنهج المتفائل، إنّ صناع القرار العرب أدركوا هذه الحقيقة، فكيف سوف ستكون استجابتهم لبناء النظام البيئي (Ecosystem) الذي وضعت سماته الرئيسة الأولى كلمة الحناوي. فتأسيس النظام البيئي(Ecosystem)، يتطلب الكثير من المقدمات التي ما يزال الكثير من البلدان العربية، بما فيها تلك النفطية الثرية بعيدة بمسافات فلكية عنها.

الثالث، أن الانتقال المطلوب لمواجهة التحولات لا ينحصر في الجوانب الفنية والتقنية، كما قد يتوهم البعض، بل يمس بعمق بنية التكوين السياسي للنظام المقدم على هذه التحولات، وما تشهده المنطقة العربية اليوم من اقتتال طائفي وفئوي، لا يبشر بخير في التحول نحو النظام البيئي(Ecosystem)، التي يدعو لبنائها الحناوي.

لقد وضع الحناوي جسد مستقبل صناعة الاتصالات العربية عاريا، لكن بمصداقية، على مشرحة "غبقة بتك" السنوية، وكأنه بذلك يقول إن هناك حاجة ملحة لطبيب ماهر، لكنه متمرس أيضًا كي ينقذ هذه الصناعة من المستقبل المتربص بها إن شئنا أن نجعل منها كائناً خلاقًا مبتكرًا قبل أن تتحول إلى جثة هامدة.

تعليق عبر الفيس بوك