المعلم ونظرة المجتمع له

فيصل الحضرمي

ينظرُ المجتمعُ إلى المعلمين اليوم بقلب مُرتاب وعقل باخس. وبعدما "كاد المعلم أن يكون رسولاً" زمن أحمد شوقي (وزمننا أيضاً إلى بواكير الألفية الراهنة)، بما له من تقدير واحترام واعتراف بالفضل والقدر، كاد اليوم يصير (أم هو صار وانتهى؟) محل سخرية تحط من قدره، ومبعث تشكيك في قيمته وقدراته واستحقاقه لمنزلته المعنوية تلك كرسول (حامل رسالة) ومربي (صانع أجيال) وضمانة لصحة المجتمع والدولة (أخلاقياً وعملياً) أو في استحقاقه لحفنة المزايا المزعومة التي يحسده البعض عليها (إجازة طويلة، ودوام "تحت المكيف"، ودوام "تحت البيت"، إلخ). وهي، بعد التمحيص الجيد، ليست بالمزايا الجديرة بالحسد إلا إذا أسقطنا ما يقابلها من إجهاد بدني وذهني ونفسي لن يعرفه إلا من يعانيه، وإلا إذا سلمنا أساساً بأن الحصول على إجازة محصورة في فترة محددة من السنة هو أمر جيد وأن المعلم يقضي كامل ساعات عمله داخل الفصل ولا يتنقل بين الفصول ولا يقف في ساحة الطابور ولا يشرف على عملية تحميل حافلات المدارس للطلاب بعد نهاية اليوم الدراسي، مع ضرورة التسليم ابتداءً بأن "التكييف الهوائي" يرقى لأن يكون ميزة من مزايا أي وظيفة، وليس مجرد عنصر أساسي لأي بيئة عمل مغلقة حاله حال المراوح والمصابيح والنوافذ والأبواب والبلاط وسلة المهملات.

الجميعُ يشترك في هذه النظرة المجحفة. الجميع بمعنى مختلف فئات المجتمع وليس بمعنى كل أفراده. لا أقول هنا أن جميع المعلمين يستحقون أن ننظر إليهم نظرتنا لملاك أو لنبي، ولا أزعم أن جميع المعلمين سواء في القدرات الوظيفية أو حسن السلوك ورقي الأخلاق (لماذا يفترض البعض أن على المعلمين أن يختلفوا في هذا عن بقية الفئات والتصنيفات المجتمعية حيث يتفاوت الناس سلوكاً وأفكاراً ومؤهلات؟)، ولكنني أتحدث هنا عن المعلم الرمز: المعلم كرمز لتنوير العقول وتوجيه الملكات، وعن التعليم في معناه الأصيل: التعليم كرسالة حضارية وركيزة أساس من ركائز تقدم الدول والمجتمعات، وكيف أن الانتقاص من قدر المعلمين بعامتهم يذهب بنا إلى الحط من المعلم الرمز والتعليم الركيزة، بل وقد ينتهي بنا إلى نسف فكرة المعلم الرسول، والتعليم رسالة، من أذهان الناشئة الذين نتوقع منهم مع ذلك أن يحترموا المعلم ويحملوا التعليم محمل الجد.

ولا يُمثل نعت المعلمين بـ"المدللين" أثناء مناقشة مجلس الشورى لوزيرة التربية والتعليم قبل أيام، جديداً فيما يخص النظرة التي نتحدث عنها هنا، وإن كان بمثابة إثبات علني على تفشي هذه النظرة حتى في أوساط من يفترض توفرهم على قدر من الوعي والمسؤولية يخولهم تمثيل الشعب بوعي ومسؤولية وقد انتخبهم الناس، بمن فيهم المعلمون، ليتكلموا باسمهم ويصلوا بمطالبهم وتطلعاتهم إلى سامعة الدولة وضميرها.

وبالطبع يحقُّ للجميع أن ينقد الجميع دائماً في إطار الموضوعية والتجرد، ولكن هناك فارق بين النقد الذي يشير إلى الفراغات فيسدها ثم يستكمل البناء، وبين التجريح الخاوي الذي لا يشير إلا إلى ذات صاحبه. ولا شك أنَّ هذا الإدراك للفارق بين النقد ونقيضه هو ما دفع العضو الموقر للاعتذار للمعلمين عن الكلمة التي ستبقى مع ذلك مرآة تنعكس فيها نظرة المجتمع الانتقاصية للمعلم ودوره وقيمته.

أخيراً.. وبدلًا الانتقاص من قيمة المعلم، والتقليل من شأن المعيقات العديدة التي تغص بها مهنته المتطلبة، وتجاهل مقترحاته وآرائه لتحسين التعليم والارتقاء بالمستوى المعرفي والسلوكي للطلبة والطالبات، ربما يكون من الأجدى رد الاعتبار إليه أولاً عبر إعادة ترميم الصورة المشرقة للمعلم في وعي المجتمع، ومن ثم عبر الإنصات جيداً لما يقوله ويقترحه فيما يتعلق بتيسير قيامه بواجبات مهنته وفيما يخص تطوير التجربة التعليمية في البلد بشكل عام.

تعليق عبر الفيس بوك