المعلم المدلل .. هفوة غير مقصودة

حمد بن عبد الله الحوسني

تابعت كما تابع كثيرون مجموعة من مناقشات أعضاء مجلس الشورى مع معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم.

وقد كانت مداخلة سعادة توفيق بن عبد الحسين اللواتي (عضو مجلس الشورى ممثل ولاية مطرح) المداخلة الأبرز التي انتشرت -وبسرعة البرق- عبارة منها انتشار النَّار في الهشيم. وتباينت ردود النّاس حولها، وقد تعمدت تأخير الحديث عنها حتى تهدأ النفوس.

بداية أقول: سعادة توفيق بن عبد الحسين اللواتي (عضو مجلس الشورى ممثل ولاية مطرح) لقبته في الدورة الماضية بفخر مجلس الشورى العُماني؛ لعُمق طرحه، وقوة منطقه، وحسن عرضه، واستشرافه للمستقبل، وقراءته للنتائج من مُقدماتها، وموسوعية إطلاعه، ونظرته الشمولية الفاحصة، ولنقاشه الموضوعي، ولإسهامه الكبير وتفانيه ليس لخدمة أبناء ولايته فقط ولكن حتى أبناء الولايات الأخرى، وهو بسيط في تعامله، راقٍ في حواره، ومتواضع للناس، وهو لا يحمل هم ولايته فقط؛ ولكنه يحمل هم كل عُمان وأبنائها وفي مقدمتهم المواطن البسيط، ولم أره يُجامل على حساب الوطن، وكان له حوار رائع في تلفزيون سلطنة عمان الأسبوع الماضي إضافة إلى حوارات إعلامية أخرى تثبت ما ذكرت.

ولا أدعي له العصمة؛ فالكمال لله وحده.

فإذا كان قد أخطأ في معلومة أو صدرت منه عبارة غير مناسبة وغير مقبولة وانزعجت بسببها كثيرًا -خصوصا في هذا الوقت الذي استهان فيه كثيرون بقيمة المعلم وقدره-، وقد أنكرها عليه المعلمون وغيرهم؛ ولكن حسب تحليلي الشخصي فإنّها قد تكون صدرت منه بعفوية - وهو ما يقتضيه حسن الظن-؛ فهي من لزماته اللفظية التي سمعته يستخدمها أكثر من مرة في أكثر من منبر عند حديثه عن الشركات والمستثمر الأجنبي؛ أقول ذلك لأنّ مواقفه السابقة -كما ذكر بنفسه- مع الهيئات الإدارية والتدريسية والوظائف المساعدة بمدارس ولاية مطرح تبين مدى تقديره لهم، واهتمامه بهم؛ بل وحتى من خلال حواراته ومناقشاته عن التعليم في منابر عدة، والتي حضرت بعضها قبل أكثر من عامين، وقد كانت مشتركة بين لجنة التعليم بمجلس الشورى وبين وزارة التربية والتعليم.

مع ملاحظة أنّه يناقش في مجلس الشورى وفق قناعاته وما يُملي عليه ضميره وما يراه مناسباً للوطن من وجهة نظره -سواء اتفقنا معه في الرأي أو اختلفنا-؛ ولكن أن تنسف كل حسناته لخطأ وقع منه واعتذر عنه ليس من الإنصاف في شيء.

نعم، ليس حُسن النية مبررًا للخطأ؛ ولكن ليتذكر جميعنا: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)؛ فكيف لنا أن نطلب العفو من النّاس ونحن لا نقبل عذر من اعتذر.

بل كيف نطلب العفو من الله ذي الجلال والجمال والكمال المطلق وولي كل النعم التي نسبح في خضمها وتحيط بنا من كل جانب ويملك ناصيتنا وبيده الأمر كله في الدنيا والآخرة ونحن لا نعفوا عن الناس؟.

والله يقبل توبة من أناب إليه حتى ولو كان منكراً لوجوده من قبل أو مشركًا به.

ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي هو أكرم الخلق وأعظمهم قدرًا وأكثرهم حقاً كان قدوة لنا في ذلك رغم الإساءات الكثيرة التي لقيها، ويتجلى هذا الأمر من خلال الشواهد الكثيرة المتعددة من سيرته التي هي ترجمة لتوجيهات القرآن الكريم ومراشده وآدابه؛ من مثل قول الله -تبارك وتعالى-: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقوله -عز وجل-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، وقوله -تجلت قدرته-: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور)، وغيرها.

ولنتذكر أننا سنحتاج يوماً إلى من يعفو عنّا؛ ولكن لنعلم أن الجزاء من جنس العمل، وأفعالنا ستنعكس علينا، وما يصدر عنّا سيعود إلينا.

وليس معنى كلامي إهدار كرامة المُعلمين المخلصين، أو المجاملة على حساب حقوقهم؛ فالله -سبحانه وتعالى- قد فضل أهل العلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بين مكانتهم؛ فقدرهم وحقهم ثابت مكفول لا يُمكن لأحد أن يلغيه أو ينكره، وأنا مُعلم مثلهم، يسرني ما يسرهم، ويحزنني ما يحزنهم، ويسوؤني ما يسوؤهم؛ ولكن الموضوعية التي أراها في التعاطي مع الأمر دفعتني لكتابة هذا، وكتبته بإملاء من ضميري ولا أدعي أنه يمثل واقعي؛ فأنا أحوج ما أكون إلى تطبيق كثير من أخلاق العفو والصفح وغيرها؛ ولكن الحق أولى أن يقال:

اعْمَلْ بِقَوْلِي وَإِنْ قَصَّرْتُ فِي عَمَلِي

يَنْفَعْكَ قَوْلِي وَلا يَضْرُرْكَ تَقْصِيرِي

وليس معنى كلامي كذلك أن يفتح المجال لمن أراد أن ينال من قيمة المُعلم، ثم يكتفى منه بالاعتذار؛ كلا وألف كلا؛ فيجب أن يوقف كل أحدٍ عند حده، ولكن المقصود ما ذكرت سابقًا.

ودام المعلم قدوة لغيره، وتاجًا للأخلاق، وأوسع الناس صدرا، ورمزا للتفاني والعطاء والإخلاص والبذل والتضحية من أجل الوطن والأمة.

Hamed66544@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك