غير نظرتك.. تتغير حياتك

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

أريد أن أغير طباعي، أريد أن تتغير حياتي، أتمنى أن يتغير مسؤولي في العمل.. كل منا يريد ويتمنى أن يصبح كل شخص وكل شيء في الدنيا موافقًا لهواه ورغباته، إذا أردت أن تغير من شخص ستصاب في الغالب بخيبة أمل، لأنه لا أحد يتغير إلا بإرادته هو، والأهم من ذلك أنه لا شيء يحتاج التغيير سوى نظرتنا نحن للأشياء والأحداث من حولنا، يقول غاندي: إن الشيء الوحيد الذي يميز بين شخص وآخر هو النظرة السليمة تجاه الاشياء.. قل لي كيف تفكر في المستقبل؟، هل تفكر فيه على أنه استمرار وتفاقم للمشاكل، أم أنه يحمل الفرص التي يجب أن تستعد لها لتستغلها وتحقق لنفسك حياة أفضل، هل تفكر في نفسك فقط؟ أم تفكر في الطريقة التي ستترك بها بصماتك التي سيشكرك عليها الناس ويتذكرونك بالخير بعد أن تفارق هذه الحياة، التي وإن طالت بك فهي قصيرة جدًا في عمر الزمن.

أعطني لحظات من وقتك أيها القارئ الكريم، وتأمل معي هذه المقارنات، لكي أثبت لك أن ما يحدد مشاعرنا وسعادتنا ليس الواقع الذي نعيشه، بل طريقتنا في النظر إلى هذا الواقع.. هل هناك فرق بين من ينظر إلى المستقبل على أنه "الفرصة القادمة"، التي لا بد أن نستعد لاستغلالها، وبين من ينظر إليه على أنه تراكم للمزيد من المشكلات التي لن يكون لها حل!!، هل هناك فرق بين من ينظر إلى أطفاله على أنهم نتيجة طبيعية للزواج، وواجب يفرضه المجتمع و"المباهاة"، وبين من ينظر إليهم على أنهم "المفاجأة التي يخبئها للعالم!".. أكرر "المفاجأة التي يخبئها للعالم بأسره!!، هل تعتقد أن كلا الأبوين سيشعران وسيتصرفان بشكل متشابه.

جميل! فلنبدأ بحديث بسيط يحفزنا على تغيير نظرتنا للأشياء، بأسلوب مشجع وقريب للقلب.. في زحمة الأيام وتقلّبات الحياة، قد نجد أنفسنا محاطين بمواقف محبطة، وأحيانًا نشعر أن كل شيء ضدنا، وهذا الشعور طبيعي، لكن الخطير هو الاستسلام له.. فالتشاؤم لا يغيّر الواقع، بل يزيده ثقلًا، ويغلق أمامنا أبواب الأمل، إذا ما رأينا فقط العقبات أمامنا، دون أن نرى الفرص.. نحن وسط تلك العقبات سيكون الفرق ليس في الظروف، بل في النظرة، فكم من شخص خرج من ضيقٍ إلى فرج لأنه آمن بأن بعد العسر يسرًا، وكم من شخص بقي حبيس مشاعره السلبية لأنه لم يُصدّق أن الضوء موجود في آخر النفق.

نعم.. لنكن صادقين مع أنفسنا، بأن التفكير الإيجابي لا يحل كل المشاكل، لكنه يعطينا القوة لمواجهتها، والصبر لتحمّلها، والعقل للبحث عن حلول لها.. التغيير يبدأ من داخلنا، من فكرة صغيرة تقول لنفسك: "ربما هناك جانب آخر لهذه القصة، لم أرَه بعد".

أيها القارئ الكريم، جرب أن تعطي نفسك فرصة، لا تطفئ النور بيدك، ولا تسجن نفسك داخل دائرة السواد، هناك أشياء جميلة حولك، تنتظر فقط أن تفتح لها نافذتك.. الحياة قصيرة، فلا تضيعها في التوقعات السوداوية، عشها ببساطة، بحسن ظن، وبقلب يُجيد رؤية النور حتى في أصعب اللحظات.

قد تكون اللحظة مناسبة لتقديم دعوة من القلب إلى كل شاب أثقلته الحياة.. كن إيجابيًا، ولو أظلمت الدنيا، يا من ضاق صدرك من الدنيا، وشعرت أن الأبواب كلها موصده، وأن الحظ لا يعرف طريقك.. تمهّل، لا تظن أن ما تمر به دائم، ولا تحكم على مستقبلك من يومٍ سيئ عشته.. أيها الشاب، أيتها الشابة.. كثيرٌ من العظماء مرّوا بلحظات ضعف وانكسار، لكنهم لم يسمحوا لليأس أن يعشش في قلوبهم، لأنهم آمنوا بأن الله لا يُضيع من أحسن الظن به، وأن النور يأتي بعد الظلمة، والفرج بعد الضيق.. ربك الذي قال: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"، لم يقل ذلك ليروي قصة، بل ليُطمئن قلبك.. فمهما اشتدت عليك الحياة، هناك يسْر قادم، فقط تمسك بالأمل، وابدأ بالنظر إلى نعم الله عليك، ولو كانت بسيطة.. أنت في بداية العشرينيات، تخرّجت بشهادة جامعية، وظننت أن الوظيفة تنتظرك عند الباب، طرقت كل الأبواب، أرسلت عشرات السير الذاتية، وانتظرت، وانتظرت.. حتى بدأت ثقتك بنفسك تضعف، وبدأت الأسئلة تنهشك: "هل فشلت؟ هل أنا أقل من غيري؟ هل تعبي ضاع؟".. لا تستسلم ابدأ من الصفر، اعمل بأي وظيفة حتى وإن كانت بسيطة بأجر زهيد، طوِّر من مهارتك، وواصل التقدم، ولكن بإيمان أن الله يرى ويسمع، مع الأيام ستلهم غيرك بقصة نجاح حققتها، فقط اختار ألا تسمح للتشاؤم أن يسرق مستقبلك.. الشيطان يفرح حين يُقنعك أن لا جدوى، أن كل شيء لا معنى له، لكن المؤمن، القوي، العاقل، يعلم أن مع كل تحدٍ فرصة، ومع كل سقوط درس، ومع كل تأخير حكمة، فلا تيأس، ولا تقارن نفسك بأحد، توكل على الله، واعمل، وارضَ، وابتسم، ولا تنسَ أن الله لا يُخيب من أحسن الظن به.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة