التعليم تحت قبة الشورى

حميد السعيدي

يمر الإنسان بمراحل معينة من حياته إمّا أن يصنع تاريخا مشرفا أو يصاب بالإحباط واليأس من الحاضر والمستقبل، بالرغم من أنّ الفلاسفة والمفكرين يؤكدون على أنّ التفاؤل هو سمة جميلة تدفعك نحو التقدم، ولكننا تفاءلنا كثيراً ولم يتغير شيء، ووضعنا آمالا كبيرة وتمنينا الكثير لمستقبل واعد، ولم يبق للحبر معنى على أوراق الصحافة في زمن الرفاهية والمال؛ حتى غاب وحلّ مكانه زمن الترشيد والتقشف، وعلى تلك الطاولة كنا نكتب كيف نتعلم الفكر والمعرفة، ونبحث عنها بين أغلفة الكتب المركونة على أرفف الجدران المتهالكة بين عتبات الزمن، الذي يمر سريعا دون أن نشعر بأهميته، فغاب المال والزمن ولم يتغير شيء بما يدفعنا للصمت لوهلة من الوقت.

يقول ميخائيل نعيمة: "المدينة العظمى هي التي يسود فيها العلم والحرية والإخاء والوفا" فبناء أي وطن يحتاج إلى عنصر رئيسي لابد من امتلاكه؛ وهو العلم والفكر، فبدونهما لن نصنع علبة بلاستيك واحدة، فبالمال نستطيع أن نمتلك تلك الشهادات التي تعلق على الجدران، ولكنّها لن تصنع العلماء والمفكرين، بالمال نستطيع أن نجلب أشهر المصنعين والمصانع، ولكن لن نتمكّن من بناء حضارة متطورة، بالمال نستطيع أن نقيم المناطق الصناعية والمصانع الكبرى لكننا لن نمتلكها، لكن بالعلم نبني إرادة شعب قادر على صناعة ذاته، فهل استطاع تعليمنا تحقيق ذلك؟

لذا لا نستطيع وصف مدى النجاح الذي حققه تعليمنا أكثر من الرغبة بوصفه بلغة الفلسفة، بحيث نظل عالقين بين المعقول واللامعقول بين الحقيقة والوهم، بحيث تظل عقارب الزمن تمر ونحن ندور في نفس الدائرة المغلقة التي لم نستطع أن نغادرها لنخلق مرحلة جديدة من واقعنا الحالي، فظلت تلك الحوارات واللجان والاستراتيجيات والندوات والمؤتمرات والخطط والأوراق كلها لم تستطع أن تغيير مسار التعليم بصورة أفضل، فمرّت ست سنوات ونحن نتغنى على أمل التغيير والتطوير نحو الأفضل من أجل مستقبل واعد لعُمان، فمرت مرحلة التعليم الأساسي، ونقترب من انتهاء رؤية المستقبل 2020، والآن نصمم خطة لرؤية جديدة 2040، لا أعرف الجدوى من ذلك طالما لم نحقق ما نطمح له، وربما هذه مرحلة المعقول بأننا نشاهد ونلتمس سياسة الإلهاء، بحيث يظل الفرد عالقا في ذهنه أنّ هناك رغبة بالتغيير فيعيش في مرحلة اللامعقول ليحلم بآمال جديدة للمستقبل.

واليوم تحت قبة مجلس الشورى يجتمع ممثلو الشعب أمام المؤسسة التربوية، هي جلسة مختلفة تماما فهي ليست كغيرها، فهي لن تتحدث عن مشروع اقتصادي فشل في تحقيق أرباحه، ولن تتحدث عن طريق لم يُبنَ في مساره الحقيقي، ولكن تتحدث عن أهم قضيّة تواجه الوطن؛ هي قضية التعليم لأنّه سبيل الرقي والرفعة لهذا الوطن، فالتعليم هو طريق الإبداع والإنتاج والاختراع، وهو أمل ومستقبل الوطن في تطوير كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو النور الذي ينتشل المجتمع من مرحلة السبات إلى مرحلة الحركة والنشاط، فينتشلنا من العيش على فتات الآخرين إلى العيش على إنتاج ذاتنا، فهو يصنع نور المجد من رماد الإخفاق والفشل.

لذا استعد أعضاء المجلس بما فيه الكفاية فقد عقدوا الاجتماعات، واستمعوا لمشاكل العاملين بالحقل التربوي؛ على أمل أن يجدوا آذانا صاغية لها؛ ولكنهم لا يعلمون أنّ كل ما تم حصره من قضايا متعلقة بالتعليم طرحت سابقا، وتمت مناقشتها ونشرت في وسائل الإعلام، وتطرق لها المختصون والأكاديميون، وكتبت العشرات من التوصيات التي اشتقت من الدراسات والأبحاث المتخصصة؛ دون أن نرى ذلك التغيير أو التطوير في المنظومة التعليمية.

وهذا يذكرنا بالعودة للماضي عندما لا تستمع إلا لأصوات لا تبغي أن ترى إلا ما تريد أن يراه غيرك، فأوروبا عاشت مرحلة من العصور الوسطى نتيجة للانغلاق على الذات، وعدم الرغبة في الانطلاق نحو المستقبل خوفا من الواقع؛ فظلّت غارقة في الظلام لفترات طويلة من الزمن، كانت مليئة بالخرافات والأساطير التي أريد بها التحكّم في الشعوب المغلوب على أمرها، ولا تخرج عن نطاق دائرة أفكارهم، حيث نشرت العديد من الأفكار والرؤى الكاذبة ومنها أنّ الأرض كانت مسطحة الشكل وليست دائرية، وأن المحيط الأطلسي نهاية العالم وبحر الظلمات ومرحلة إلا عودة، فظلت لقرون عديدة تحكمها توجهات معينة، حتى ظهرت مجموعة من المستكشفين المغامرين والذين خرجوا من أجل البحث عن الحقيقة فأثبتوا كروية الأرض، والحقيقة ليست بحاجة إلى جهد لاكتشافها أكثر من حاجتها للرغبة والدافعية للوصول للواقع الفعلي، ويقول الفيلسوف إيمانويل كانت " (Kant) إنّ الحقيقة من مقتضيات العقل المقدسة والضرورية، إذ على الإنسان أن يكون صادقا في تصور أحواله وأقواله "، فالبعض يعتقد أنّه حقق ما يتوجب القيام به في إطار فكره الوظيفي وقدراته الإدارية، لأنه ينظر من خلال نافذة مكتبه الضيقة، لذا يحاولون أوهام أنفسهم بالأحلام الوردية، ولكن من يتعايش الواقع على حقيقته وينظر إلى العالم، وما حققه فإنّه قادر على رؤية الحقيقة، وإنّ ما تحقق من نجاحات لا تمثل شيئا أمام ما توصل إليه الآخرون من إنجازات عظام، وهذا ما يدركه كل من له علاقة بالحقل التربوي بعجز المؤسسة التربوي في القيام بواجبها في تطوير وإصلاح التعليم، ومعالجة القضايا المتعددة التي يئن منها الحقل التربوي، والتي أصبحت تؤرق هذا الوطن، وتعبث بمستقبل أجياله، لتصبح أجيالا لا تعي ما يحدث في هذا العالم، ولا تمتلك المقومات التي تؤهلها لتصبح قوة بشرية؛ لأنّها لا تمتلك ما يؤهلها لمشاركة العالم، وباتت علامات الإخفاق تتوالى أحداثها، بعد أن كان المجتمع يتوقع أن يحدث تطور نحو الأفضل في الأداء، تمر الأيام ومعظم المقترحات تمر عبر الدراسات التي لم تنتهِ، واللجان التي لم تصدر قراراتها، والتأملات التي لم تر النور حتى تستطيع رؤية الواقع التربوي، فالعديد من القضايا كانت تتطلب المعالجات القائمة على اتخاذ قرارات توجد الحلول المناسبة، ستمر السنين ونحن نصيغ الاستراتيجيّات تلو الأخرى؛ فإن لم نحقق النجاح في خطة 2040 فسنحقق في غيرها.

ولكنّ السنوات مرّت وظلّت تلك القضايا تؤثر في الحقل التربوي.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة