المجتمع المدني الذي نتوخاه

عبد الله العليان

قبل عُدة أسابيع، نظمت جريدة "الرؤية"، ندوة حملت عنوان "مؤسسات المجتمع المدني بين صعوبات الإشهار والوعي المجتمعي" نوقشت بهذه الندوة الموسعة العديد من الموضوعات التي تهم هذه المؤسسات المدنية، بهدف خلق وعي بأهداف هذه المؤسسات، وإزالة المعوقات والإجراءات التي تحد من نشاطها الأهلي، مع إعادة النظر في الكثير من القوانين المنظمة لهذه المؤسسات، والحقيقة أنَّ إقامة هذه الندوة، خطوة إيجابية وفي وقتها، أقدمت عليها مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر، ذلك أنَّ الوعي بدور هذه المؤسسات والمعرفة الراسخة بمهامها، ربما تكون غائبة عن الوعي المجتمعي وهذا واقع نلمسه من خلال قربنا من هذه الجمعيات، كما أنّ هناك إجراءات روتينية وقانونية تنظم عمل الجمعيات، وكذلك تواجهها الكثير من المصاعب والتعقيدات، خاصة تجاه إشهار الجمعيات، وغيرها من التعقيدات التي نرى ضرورة إعادة النظر في لوائحها، وهذا ما عبَّر عنه أصدق تعبير، سعادة حمود بن أحمد اليحيائي عضو مجلس الشورى، رئيس لجنة التنمية الاجتماعية والخدمات بالمجلس، الذي قال في الندوة "إنّ صعوبات الإشهار والصعوبات القانونية، والتعقيدات تعود إلى الحكومة من خلال رؤيتها لدورها، رغم أنّ هذه الجمعيات قد تكون مكملة لدور الحكومة، ومتكاملة معها، ويُمكن أن تُسهم في مجال تأطير القدرات والكوادر البشرية، لذا ينبغي تسهيل القوانين والنظم المُتعلقة بإنشاء جمعيات المجتمع المدني وتيسير القيام بدورها، بعيداً عن النظرة لدور الجمعيات باعتبارها منافساً وقد عايشنا ـ كما يقول اليحيائي ـ في الفترة السابقة الصعوبات التي تكتنف مسيرة التصريح لهذه الجمعيات ومنها أنه يجب ألا يقل عدد المتقدمين لإنشاء الجمعية عن أربعين ويتقدمون بطلبهم إلى الوالي، على أن يرفع الوالي الطلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي بدورها تدرس الطلب من ثمّ قد تحيله إلى جهات الاختصاص وقد ينتهي الأمر بعدم إشهار الجمعية!".

فهذه الإجراءات والتعقيدات، تحول دون انطلاق وتفاعل هذه المؤسسات، في القيام بدورها المنوط بها في المجتمع، وهذا تحتاج إلى إعادة النظر بجدية، سواء في هذه المسائل القانونية، أو غيرها من اللوائح المنظمة لها، وقد أحسن مجلس الدولة مؤخراً، عندما ناقش وضع هذه الجمعيات من الناحية الرقابية والتشريعية، وقد حددت لجنة الثقافة والإعلام والسياحية بمجلس الدولة، الصعوبات التي تُعانيها هذه الجمعيات، منها (أن قانون الجمعيات حظر إقامة المهرجانات والمحاضرات العامة واستقبال الوفود الأجنبية أو إرسال وفود من الجمعيات، إلا بترخيص من وزير التنمية الاجتماعية)! وهذا ما جعل بعض الجمعيات، يتراجع دورها في الحراك الثقافي والاجتماعي، وقد تم تأجيل بعض الفعاليات بعد أن تمت دعوة الباحثين والكتاب من قبل بعض الجمعيات بسبب هذه الإجراءات، وهذا ما حدث لجمعية الكتاب والأدباء في الإدارة السابقة، بسبب التأخير في الرد من قبل وزارة التنمية لطلب إقامة الفعالية.

فالمجتمع المدني في عالم اليوم، يلعب دوراً حيوياً في الحياة الثقافية والفكرية، ويعطي للتفاعل المجتمعي طرقاً ومحددات للحراك الفاعل بعيداً عن الجمود والكسل الذهني، وتُعتبر مؤسسات المجتمع المدني من المؤسسات المهمة؛ لما لها من أدوار وأغراض ثقافية واجتماعية وتربوية، لكونها تساهم في الإطلاع بمهام جيدة من خلال العمل التطوعي في القيام بوظائف اجتماعية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتثقيفية، كما أنّه يدفع بالعمل المؤسسي إلى آفاق مُتقدمة، إلى جانب تعزيز الوعي بأهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان وبلورة مضامين تعددية حتى إنّ البعض يرى أنّه لا يُمكن أن نؤسس ديمقراطية فاعلة بدون مجتمع مدني فاعل يدفع بهذه الآلية إلى أفضل خطواتها من خلال الاستمساك بالتوجهات والرؤى التي تساهم في تحريك الساكن الثقافي والفكري الإنساني، والدفع إلى بلورة رؤى ثاقبة في مجال العمل التطوعي، وهذا الدور يرفع الكثير من الأعباء والمهام على الدولة، ويجعل المجتمع المدني متفاعلاً مع واقعه الاجتماعي، بدلاً من الاتكال على مؤسسات الدولة، وهذا لا يتأتى، إلا من خلال مجتمع مدني نشط وفاعل في قضاياه الاجتماعية والثقافية والفكرية.. صحيح إن المجتمع المدني في بلادنا لا يزال في بدايات نشأة بعض مؤسساته، كما أنّه التفاعل معه يتدرج سنوياً، لكنه بدأ يتحرك وفق ما تسمح به النظم والتشريعات القائمة الحالية، لكن هذه المؤسسات تحتاج إلى مساحة للتحرك، دون تعقيدات وعقبات، ووفق النظم القائمة التي يعد النظام الأساسي للدولة،المرجع لكل القوانين واللوائح السارية، ونتمنى أن تكون القوانين التي ربما يعاد النظر في بعضها بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني، ملبية للطموحات التي تسعى إليها هذه الجمعيات الأهلية، التي تمثل المجتمع المدني في السلطنة مستقلة عن مؤسسات الدولة ومهامها.

تعليق عبر الفيس بوك