كم يدٍ تبني عمان؟

سيف بن سالم المعمري

saif5900@gmail.com

حينما أعود بالذاكرة إلى عقد التسعينيات من القرن الماضي وأقلب صفحاته الجميلة، أقرأ بين سطور تلك الصفحات القيم النبيلة للإنسان وحبه للخير لغيره كما يُحبه لنفسه، وأقرأ المواقف الجميلة التي ترتسم فيها معاني التعاضد والتعاون بين أبناء المجتمع العُماني، بل ما يبعث على الفخر والاعتزاز حينما ترى تهافت الناس على المشاركة في العمل الوطني حيث كانت المعسكرات الشبابية التي تُقيمها المدارس والجامعات والأندية والفرق الرياضية تشهد تفاعلاً كبيراً من الشباب بل ومن جميع فئات المُجتمع، فتراهم يشاركون في تنظيف الأفلاج والمساجد والأحياء السكنية وغيرها من الأعمال الخيرية.

وإن كانت رُوح الشباب وإخلاصهم وتعاضدهم وتكاتفهم في خدمة المجتمع لا تزال باقية في مجتمعنا إلا أنّ هناك ظواهر أصبحت تؤرق المجتمع وتبعث رسالة عاجلة إلى الجهات المسؤولة كل في مجاله، وكذلك لأصحاب الهمم العالية من أبناء مجتمعنا للوقوف ضد الظواهر السلبية والدخيلة على مُجتمعنا العُماني.

ولعلي هنا سأتحدث عن ظاهرة رمي القمامة والنفايات في غير الأماكن المخصصة لها، حيث لم يقتصر رميها في المواقع السياحية والمُتمثلة في الأودية والعيون المائية والأفلاج، بل وفي الحدائق والمتنزهات الترفيهية والسياحية، وتتأسف حينما تراها تصدر من شباب مُتعلمين ولديهم مسؤوليات اجتماعية وأحياناً مستويات وظيفية مسؤولة، وحينما يفضون جلساتهم وسهراتهم وسمراتهم واستجمامهم في تلك الأماكن يبقون على الأدوات التي أحضروا فيها الأطعمة والمشروبات في أماكن جلسوهم، ويغادرون مواقعهم غير آبهين بحجم الضرر الذي أحدثوه والرسائل السلبية التي تركوها لمن سيأتي بعدهم.

بل يزيد الأمر سوءًا حينما ترى في الأحياء السكنية النفايات تتطاير وتشوه تلك الأحياء بل وتسبب في تكاثر الحشرات والقوارض بعد نبشها من قبل الحيوانات، حيث لم يتم وضعها داخل حاويات القمامة، وإن كنت أرى هذه الظاهرة بشكل كبير في ولاية البريمي على وجه التحديد، فأتمنى أن تكون الأحياء السكنية بالبريمي حالة استثنائية للولايات العُمانية، حيث يمكن تداركها ومعرفة أسبابها، وقد طرحت نماذج من مشاهداتي اليومية لصور رمي النفايات ومختلف أشكال القمامة خارج الحاويات المخصصة لها في ولاية البريمي في حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، وعزاها البعض لتقصير البلدية لكون الحاويات لا تزال بطريقتها التقليدية، لكن ذلك لا يعفي المواطن والمُقيم في الولاية من المسؤولية في التعاون والمساهمة في نظافة المدينة وأحيائها، وتقدير حجم الجهد المبذول من البلدية، وإرشاد الأبناء وعاملات المنازل لرمي أكياس القمامة داخل الحاويات وليس خارجها، فمثل هذا العمل لا نحتاج إلى تشريعات وقوانين لمتابعة ومراقبة المخالفين له، فنحن في مجتمع مسلم، والنظافة الشخصية والعامة من قيم ديننا الحنيف، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، فعدم التعاون مع عمل البلدية الشاق في النظافة العامة له ضرر جماعي على صحة الفرد والمجتمع، وإن المساهمة في رقي المجتمع وتقدمه الحضاري ليس مسؤولية الحكومة فحسب، بل إن المواطن شريك في إضفاء السمة الحضارية للمجتمع العُماني، والشراكة الحقيقية التي تنسجم بين المواطن ومؤسسات الدولة تفضي إلى بناء مجتمع واعٍ، وقادر على مواجهة تحديات العصر.

لسنا بحاجة إلى مسابقات أو لجان لتشرف على نظافة أحيائنا وأماكننا العامة، فالمحافظة عليها يجب أن تغرس في قلوبنا جميعا وبالتالي على جميع الجهات التربوية والتعليمية أن تربي النشء على هذا السلوك.

نعم .. البعض يعلق شماعة النظافة العامة كعمل أصيل للبلدية، فتراه لا يبالي في رمي المخلفات بدلا من أن يضعها في الحاوية أو سلة المهملات بل تجده يرمي بالنفايات من شباك سيارته، دون أن يعي أنّه يساهم في تشتيت جهود القائمين على النظافة العامة ومضاعفة مسؤولياتهم.

ولعلي هنا أعود إلى عقد التسعينيات من القرن الماضي فحينها كانت لا توجد بمدارسنا شركات النظافة كما هو عليه الآن، بل يوجد ما يعرف باللهجة المحلية "بالفراش" وهو الموظف المسؤول عن النظافة، وبطبيعة الحال كان لا يوجد في كل مدرسة إلا فراش واحد أو اثنان في أحسن الأحوال ومن الصعب عليهما أن يقوما بمتابعة نظافة جميع المكاتب الإدارية والصفوف الدراسية وفناء المدرسة، فكانت إدارة كل مدرسة وبالتعاون مع المعلمين يقومون بتوزيع جدول لكل صفوف المدرسة وبإشراف رائد الصف أو مربي الصف وهو المعلم المشرف على كل صف دراسي حيث يقوم الطلاب بتنظيف فناء المدرسة قبل الطابور وبعد الفسحة أو الاستراحة بشكل يومي، وكان على كل مربٍ توزيع جدول لجميع الطلاب لنظافة الصف قبل بداية طابور كل يوم، ولعل تلك الإجراءات كانت كفيلة بغرس حب المشاركة والعمل الجماعي والمحافظة على المرافق العامة وإبقاء الأماكن نظيفة طوال الوقت، والمحافظة على صحة المكان.

أما الواقع الحالي - وللأسف الشديد- فأصبح الاعتماد على شركات النظافة وترفع الأبناء عن هذا العمل السامي الذي يغرس في نفوسهم القيم الأخلاقية الوطنية، وباتت تطلعات النّاس في ملازمة تقديم عمل ما مقابل مبلغ مالي وإلا فلا! ، ونحن أحوج ما نكون لنتكاتف ونتعاضد ونكون جميعاً أيادي بناء لوطننا عُمان، فالوطن سفينة أما أن نوصلها إلى شاطئ الأمان وإلا ستغرق! فكم يدٍ تبني عُمان؟!.

تعليق عبر الفيس بوك