الكفاءة الوطنية.. بين حرب الشخصنة وتحقيق الأمل

زينب الغريبية

عندما تنتهي الأعمال، والتركيز على التطوير، لا يبقى الشغل الشاغل للمؤسسة إلا محاربة الكفاءات المنتمية لها، من باب عدم رغبة تلك الكفاءات في المضي حسب أهواء الرئيس في المؤسسة، وإن كانت ظلما وإجحافا للموظف، تنتهي حينها قضايا تطوير العمل والخدمات المقدمة، ويصبح الهدف ملاحقة ذاك الموظف والبحث عن زلة عليه للإيقاع به، وتحقيق الانتصار على من رغب في رفض ظلم وقع عليه، فما عليك إلا أن تخضع للظلم وترضى وتقبل الإهانة، وترضخ لها كي تكون في الوضع الوظيفي الآمن، حتى وإن كان على حساب تحمل قهر وظلم وإجحاف..

مؤسسة مليئة بالممارسات السلبية، ورفع من يريدون. وتنزيل من يريدون، مليئة بأصحاب كراسي ليس لهم عمل سوى الجلوس على تلك الكراسي متى ما شاؤوا، وإلا فهم الطلقاء، ويتمتعون بدرجات خاصة بما لها من ميزات ومخصصات، وكأنّهم محالون للتقاعد ولكن بشكل فيه كثير من المجاملة والمراعاة، في حين يرهق موظف آخر ويحارب بأقسى صور الحرب، بتنزيله مما كان عليه وإن كان قد عمل وأخلص، ثم ممارسة الظلم عليه بأشكال وألوان بقصد تلقينه درس "كيف لك أن لا تقبل ظلمنا لك"؟!

من خوّل لمثل هؤلاء كل هذه السلطة؟ من خولهم ممارسة ذلك على المواطنين؟ والقانون يقف في صفهم، فيحق لهم اللعب بك ككرة يتقاذفونها، وإن مرّ عليك شهر فلا تقبل شكواك، وإن كان الظلم مستمرا عليك، ولم يتوقف إلا أنّ الزمن عند القضاء قد توقف، حينها تصدك جميع الأبواب من منظمات ولجان وهيئات ذات صلة بالموضوع بشكل أو بآخر، أعلمتم الآن من خوّل لمثل هؤلاء العبث بمصائر المواطنين؟!

نطلق على من يعبث بأمن البلد وتماسكه الوطني من خلال تصرف أو كلمة بخونة الوطن! فبماذا يمكن أن نصف من يحاربون الكفاءات الوطنية؟! تلك الكفاءات المعروف عنها الإخلاص والعمل الجاد إذا ما سلمت مسؤولية، تلك الكفاءات التي لو حوربت من الداخل، وجدت لنفسها طريقا آخر للعطاء والبذل، في سبيل خدمة الوطن، تلك الكفاءات التي لن تحنيها حروب داخلية أو خارجية عن ممارسة واجبها المجتمعي، حتى لو لم يقف بجانبها أحد.

يصرون على الإتيان بالبديل في مكان الكفاءة، ويتجاهلون وجودها، يعتبرون الرجوع بالرأي خسارة للقوة التي يجب ألا تتراجع فتفقد هيبتها، ولا يعلمون أن توجيه القرارات للصالح الوطني وتطوير العمل، هو ما يجب أن يعمل به، في الدول المتقدمة يعتمدون على الكفاءة ومن سينجز في المكان، دون النظر إلى شخصه وشهادته، بل إلى خبرته وإمكاناته، وماذا يستطيع أن ينجز، لذا عندما نبعد شخصنة الأمور لصالح العمل، نكون قد سعينا للتقدم، ونظل نحن دول العالم الثالث، والمرشحون بقوة للنزول أكثر من الدور الثالث ربما لو وُجد دور عاشر فنحن له بجدارة؛ نتيجة لممارساتنا وأفكارنا وتقمص الشكليات في أعمالنا.

إن لم ترغبوا في الاستفادة من طاقات الشباب القادرين على العطاء، والذين يبذلون أنفسهم في سبيل تحقيق منجز تفخر به البلاد، فلتتركوهم في حالهم، ليتلمسوا طريقهم حسب ما يستطيعون، فربما يجدون طريقا يصنعون به بصيص نور من دعم أنفسهم بأنفسهم، وكفوا عن ملاحقتهم وسد الطرق في وجوههم، ومحاولة النيل منهم؛ لا لشيء سوى أنّهم قالوا لنا حق، ونحن قادرون على العطاء حتى الفناء ولكن بما يضمن لنا حقوقنا، ويحفظ لنا كرامتنا، فهل يكونون بهذا مذنبين؟!

كل إنسان في قرارته يشعر بأنّه كفء، وأنّ له الحق في أن يحصل على القيادة في مكان ما، ولكن نتيجة العمل هي الفيصل التي تفرق بين شخص وآخر، فما هو إنجازك؟ ماذا تستطيع أن تفعل؟ ما هو إنجازك؟ إذن ما هو المكان الدي يليق بك لتعطي فيه؟ لكن حين تختلط المعايير، وتهمّش مصلحة العمل والرغبة في الإنتاج؟ وتقدم عليها المصالح الشخصية، والأحقاد البشرية غير المبررة أحيانًا، تختلط معايير العمل ومواصفات الكفاءات، حينها لا نطالب بالتقدم، والرقي في الناتج من العمل المؤسساتي فما بني على خطأ لا ينتج منه سوى خطأ.

الكفاءات الوطنية لا تطلب سوى التقدير، لا تطلب سوى المسالمة، لا تطلب سوى الأمان، كفى حربا لها، اتركوها تعمل ربما يحدث الله على يديها أمرًا.. يؤدي إلى تغيير في شيء ما، ربما بذلك الأمان تستطيع تحقيق فرص أفضل للمستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك