مشاهد وتساؤلات (31)

د. مُحمَّد العريمي

(1)

في تمام الواحدة من ظهر يوم الأحد الفائت، دخلت مبنى خدمات الشرطة بولاية العامرات كي أستخرج جواز سفر جديدا لطفلتي الرضيعة، وأثناء تخليص المعاملة أخبرتني الموظفة بأنَّ بطاقتي الشخصيّة بحاجة إلى تحديث للبيانات، وأن عليَّ تحديثها كي يتسنَّى لها إنهاء الإجراءات اللازمة للحصول على الجواز، فانتقلت إلى المكتب الآخر لتحديث بيانات البطاقة، ثم ذهبت لاستلامها، وعدت بعدها إلى الموظّفة التي طلبت مني مرة أخرى العودة إلى المكتب السابق لتحديث بيانات شهادة ميلاد ابنتي، ثم العودة لاستكمال معاملة الجواز، وأخيراً الذهاب لاستلامه من المكان المخصّص لذلك.

في حوالي الساعة الواحدة وسبع عشرة دقيقة كنت قد خرجت من المبنى وأنا حاملاً معي جواز سفر ابنتي، وشهادة ميلادها، وبطاقتي الشخصيّة الجديدة بعد تحديث بياناتها!

شكراً لشرطة عمان السلطانيّة...

 

(2)

يوم الخميس 9 فبراير 2012 كتبتُ في مدوِّنتي السطور الآتية: "فاعل خير يتبرع بمبلغ 50 مليون ريال عماني لبناء مستشفى تخصصي لطب الأطفال. خبر أعلنه معالي وزير الصحة، وتفاعلت معه عدد من مواقع الحوار الإلكترونية المحلية، في ظل تعاطي إعلامي متواضع مع الخبر. لابد لخبر كهذا أن يأخذ حقه من التغطية الإعلامية، فبدون الشراكة المجتمعية الفاعلة لن نتمكن من تحقيق كل ما نصبو إليه، وعمان زاخرة بكثير من رجال الأعمال الذين أعطتهم البلد الشيء الكثير، وبالتالي فإن عليهم المساهمة الفاعلة والإيجابية في خدمة هذا الوطن، ليس فقط بدعم فريق كروي معين، أو رعاية حفل فني ساهر، وإنما بالالتفات إلى مجالات اجتماعية قد تكون أكثر أهمية، لعل من بينها إنشاء مراكز طبية أو تبني رعاية بعض مراكز الأيتام، أو تقديم منح دراسية لبعض الفئات المحتاجة".

كانت هذه السّطور قبل أكثر من أربع سنوات من الآن، وحتى الآن لا أعلم مصير هذا المستشفى، وإن كان قد تمّ بناؤه أم لا، وما إن كان فاعل الخير قدّم مبلغ التبرّع أم لا!

هل من جهينة ما لتنبئ بالخبر اليقين!

 

(3)

اتصل بي أحد أصدقائي من سكان الخوير مستنجداً تكاد العبرة تخنق صوته: "تصور!! الحديقة التي كانت متنفساً لنا ولأسرنا سيتم تحويلها إلى فندق! كنا نجد في تلك الحديقة ملاذاً جميلاً لنا كلما ضاقت بنا حوائط بيوتنا، وكانت مكاناً مناسباً لممارسة رياضة المشي في ظل ازدحام الشوارع المحيطة بها بالمشاة والمركبات، وكان مشهداً مألوفاً أن تجد طفلاً يلعب هنا، وعاملاً بسيطاً غافياً هناك تحت ظل شجرة وارفة وهو يحلم بمستقبل تغرب من أجله، وشيخاً كبيراً يتجول على كرسيه المتحرك بينما حفيده يدفعه بكل حنان، وبعض الجارات من الحارة المجاورة قد تجمعن في أحد أركانها يتبادلن فناجين قهوة العصر بينما أعينهن مثبتة على أطفالهن المنتشرين هنا وهناك تميز كل منهم ابتسامة طفولة بريئة. أعطني سبباً واحداً فقط لإزالتها في الوقت الذي يصرخ فيه العالم أجمع منادياً بضرورة الاهتمام بإنشاء المتنزهات والمساحات الخضراء بعد أن تحولت المدن إلى كتل خرسانية قبيحة أصبح منظرها والتلوث الناجم عنها سبباً لقائمة تطول من الأمراض المعروفة وغير المعروفة!"

قلت لك سابقاً يا صديقي، هم لا يجدون أية بقعة أخرى في عُمان تصلح لإقامة الفنادق والنزل السياحية سوى في قلب العاصمة، فكل تلك الشواطئ البكر، والأودية الخضراء، والرمال الذهبية، والجبال الزاهية، ليست جديرة بالاستثمار فيها، وبالتالي وصول الخدمات لها، وتوطين أهلها، والمحافظة على الإرث الفكري الخاص بها، والحد من الهجرة الداخلية وما يتبعها من ضغط على الموارد، ومشاكل اجتماعية واقتصادية وفكرية متعددة!

صدقني يا صديقي.. لا مكان يصلح لإقامة الفنادق، والمجمعات، والمتنزهات، والأنشطة، والمشاريع سوى في العاصمة، وفي قلبها بالذات، ولا يهم إن يتم إزالة كل الحدائق الموجودة واستبدالها بكتل خرسانية سوداء ورمادية. لا يهم.

 

(4)

في ظل سيطرة الوافدين على نسبة كبيرة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومع تخيلنا لحجم الدخل الذي تدره هذه المشاريع عليهم في ظل ركون (البعض) من المواطنين إلى الحصول على الفتات من خلال قيامه بكفالة هؤلاء، واستخدام اسمه كواجهة قانونية لأعمالهم، وفي ظل توجه العديد من الدول المجاورة لإعادة النظر في قانون (الكفيل) لأسباب إنسانية واقتصادية مختلفة، فالسؤال المهم هنا: لماذا لا يسمح للمستثمر الأجنبي بممارسة عمله في ضوء النهار مقابل أن يدفع ضريبة معينة لخزينة الدولة بغض النظر عن نسبة العائد، وبالتالي يحافظ على حقوقه المالية والقانونية، ويدر على الدولة عائداً مناسباً يسهم في تنويع مصادر دخلها، وفي نفس الوقت تسهم في الحد من انتشار ظاهرة التجارة المستترة والمنتفعين من وراءها!

حتى الآن، وبرغم سيطرة الوافدين على كثير من المشاريع والمؤسسات الاقتصادية بالسلطنة بعيداً عن اللافتات العريضة التي تزين مداخل تلك المؤسسات والتي تحمل أسماء عُمانية، إلا أن كثيراً من هؤلاء التجار والمستثمرين ما زالوا يشعرون بالخوف والقلق خوفاً من أية تصرف قد يقوم به الكفيل، وبالتالي يقومون بتحويل كل (بيسة) يحصلون عليها إلى الخارج!

من المهم أن يشعر المستثمر بالأمان، وهو في كل الأحوال سيكون موجوداً بالقرب من استثماراته صغيرة كانت أم كبيرة، ولن يغامر بتركها، فلنجعله يتوسع في استثماراته، وبالتالي عائداً أكبر لخزينة الدولة.