الجمعيات التطوعية.. بين الرغبة والتنفير

يوسف البلوشي

جاء إنشاء مؤسسات المجتمع المدني مواكبًا لحاجة الحكومة والمجتمع ذاته أن تكون دعامة أساسيّة لمنظومة الجهود المسخرة في بناء الوطن، وكانت الرغبة السامية من لدن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - ان تكون هذه المؤسسات مستقلة بآرائها، وتعكس وجه عمان المشرف في المحافل، وتساهم في خدمة البلاد نحو البناء والتعمير وغرس المفاهيم والأخلاق الوطنية الرفيعة.

ولذا تطورت هذه المؤسسات وأصبحت الآن ما يقارب ستين جمعية تطوعية وأهلية ومهنيّة تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية تعمل جنبًا إلى جنب وتقوم الوزارة بتوجيهها بما يحقق نموها وتطلعات الوطن ويتفق مع أهداف إنشائها.

وبعد خمسة وأربعين عامًا من عمر النهضة المباركة أضحى جليًا مدى ما حققته قطاعات السلطنة التنموية ومن ضمنها مؤسسات المجتمع المدني الراعية لترسيخ قيم المجتمع والوطن على حد سواء، ولذا فضّل كثير من الناس في مختلف المجتمعات ممارسة أنشطتهم وبذل جهودهم تحت مظلة هذه الجمعيّات بعيدًا عن البيروقراطية في المؤسسات الأخرى، حيث سعوا لاستغلال حرية الحركة والمساحة التي تتسم بها هذه الجمعّيات المدنية لضخ المزيد من الأفكار والمقترحات في سبيل بناء عمان الحديثة. فضلا عن أنّ تلك الجمعيّات تمثل متنفسا تطوعيًا ما بعد العمل الرسمي وتوظف قدرات ومهارات كثير من الناس لاسيّما المتقاعدين الراغبين في قضاء أوقاتهم بما يخدم المجتمع والاستفادة من خبراتهم.

لذا توجه كثير من العاملين بقطاعات العمل الحكومية والخاصة ولاسيما المرأة- كونها ركيزة المجتمع- إلى الانخراط في هذه الجمعيّات، والعمل فيها باجتهاد دون فرض شروط أو أي مقابل ولكن تحت مبدأ خدمة الوطن في كل القطاعات.

ورغم ذلك إلا أنّ كثيرا من هذه المؤسسات وبسبب مسار إداراتها المختلفة أدّت إلى تنفير كثير من محبي العمل التطوعي، وتفاجأ بعضهم بواقع مرير ليس في صالح المجتمع، حيث طفت إلى السطح مشكلات كثير من هذه المؤسسات والتي وصل بعضها للمحاكم والأخرى للتسويات البينية وغيرها، مع أن السمة الطبيعية أن تكون هذه الجمعيّات خالية من اللغط والاختلاف وتغليب المصالح الشخصية على المنفعة العامة، وفتح المجال أمام أبناء الوطن جميعًا، وألا تكون الممارسات السالبة سببًا لعزوف الشباب عنها من خلال النأي بأنفسهم بعيدا عن كل هذه الخلافات والابتعاد عن الصراعات ومتاهات هذه الجمعيات.

ومعلوم بالضرورة أن الممارسات السالبة ستحرم المجتمع من الاستفادة من موارد هذه الجمعيّات وتوجيهها بما يعود على المجتمع وتفعيل طاقاته.

إنّ الجمعيّات المهنيّة والأهليّة حديثة النشأة وبالتالي يجب أن نسعى لتطويرها والدفع بها قدما لتكون نموذجا يحتذى به وقدوة لأفراد المجتمع، ومن المفترض أن تكون السير الذاتية للمتطوعين في هذه الجمعيات المدنية ناصعة وذات تضحيات لأنّها نابعة من أصل المواطن وتطلعاته.

تعليق عبر الفيس بوك